يذكر مستقيم زادة أفندي ( 1788-1719م ) في كتابه "تحفة الخطاطين": "أن الخطاطين ينفذون نصف معلوماتهم عند كتابة الخط ولأجل إكمال معلومات الخطاط يستوجب مشاهدة خطوط السلف وتدقيقها". ومن هنا يبدأ الخطاط السعودي عبدالرحمن أمجد -الذي يعتبر من أهم خطاطي العالم الإسلامي لما يتمتع به من ثقافة كبيرة وجمال خط أهله للمنافسة وتحقيق أعلى المراتب فيه- بالاطلاع وتصفح النماذج الخطية وتطويع اليد بالكتابات في نوع الخط المراد لاستحضار ملكته الفنية عند الشروع بممارسة الخط أو عند تنفيذ عمل ما، بالإضافة إلى أن اتصافه بالتنظيم المفرط في العمل والحرص على النظافة والإحساس بها، ولا شك أن معظم اللوحات التي خطها ذات مضامين ونصوص عالية القيمة من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة لذا فإنه يعتبر ما يقدمه من أعمال تشريفا له ولخدمة ديننا العظيم عن طريق هذا الفن. للأسف لم يعد هناك اهتمام في مدارسنا بحصة الخط روحانية الخط عن طقوس العمل عند الشروع بممارسة الخط.. يقول أمجد: "أنجز أغلب أعمالي في جوف الليل أو في ساعات متأخرة من الليل لهدوئه وسكونه، كما أمارس كتابة الخط في أوقات السعادة عندما تكون الروح مسرورة، والخطاطون العثمانيون كانوا يكتبون الخط بخشوع كبير، وكانوا لا يلقون برية القلم في القمامة بل يحافظون عليها بأن يضعوها على أسقف المنازل، وكان بعضهم يوصي بأن يغسل بماء برية القلم ولا يفرط بها احتراماً للقلم حيث أقسم الله تعالى "ن والقلم وما يسطرون" هذه القدسية تنبع من اعتقاد ومحبة خاصة لآيات الله وكلامه وواجب علينا أن نقدس كل ماله صلة بالدين". الطفل الذي ينشأ على تذوق الجمال سيصبح إنساناً منتجاً الخط العربي باق ..وعن مدى انتشار خطوط الكمبيوتر الحديثة الكبير وأثرها على الحرف العربي، يقول أمجد: "نتيجة لمواكبة المجتمعات لتطورات الحياة اليومية والعصرية وتفاعلها معها أصبح الكمبيوتر والكتابة بواسطته مهدداً لعمل الفن وتلقائيته وانطلاقه اللامحدود وراء صور لا تنتهي للحرف العربي وتشكيل الكلمة العربية، صحيح أن حروف هذا الكمبيوتر مأخوذة من كتابات خطاطين مبدعين لكنها في صورتها الآلية تصبح جامدة ثابتة غير قابلة للتطور وبالتالي فإن الخطوط التي يمنحها لنا الكمبيوتر مهما كانت جمالياتها لا يمكن أن تكون بديلاً عن إبداع الفنان الموهوب وتجليات قلمه وإحساسه ويبقى قائمة لما لها من عراقة وأصالة، من حيث الوظيفة لكل منهما مهمته فالخط العربي فن جميل يقصد منه إبراز جماليات تشكيل ورسم الحرف العربي، أما الحروف الطباعية الحاسوبية، فهي امتداد لحروف الطباعة التي تستخدم لأغراض تجارية، ولا يمكن أن يقدم خطوط الكمبيوتر رغبة الفنان الخطاط في إبراز الجماليات بحلة تزيينية أو إضفاء سمة جمالية من خلال الخطوط المبرمجة فيه والتي ظهرت تشكيلات جديدة لا علاقة لها بفن الخط العربي، كما لا يخشى على الخط العربي من الخطوط الحاسوبية". «خير الناس أنفعهم للناس» بريشة عبدالرحمن أمجد غيبوبة وحول تلاشي ثقافة فن الخط في مجتمعاتنا العربية وحتى لدى النخب المثقفة، يعلل ذلك قائلاً: "هناك عوامل متعددة منها الجمهور العام لا يملك ثقافة جمالية متعلقة بفن الخط، فالخط العربي بفنونه وأنواعه في غيبوبة نتجت عن هجمة الإهمال لعنوان الهوية العربية، واجتاحت ظاهرة الغزو الفكري والتلوث البصري وهوس المجتمعات لاستخدام أسماء أجنبية للمحال التجارية والشركات وغياب مبادرات على مستوى المؤسسات الثقافية العامة والخاصة وعلى مستوى الخطاطين أنفسهم الذين يعيشون في عزلة يجعلهم قليلي المعارض ويكتفون بإنجاز أعمالهم عند الطلب". «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه» بخط أمجد ويضيف: "ولكن هناك إجماعاً بأن فن الخط الآن قد بدأ يشهد نهضة خطية ملحوظة في كل الأقطار العربية والإسلامية بل ان هناك إقبالاً شديداً ومن الأجانب في المعارض الدولية على الخط العربي بوصفه موسيقى مرئية، فغياب آثار الخط العربي أيضاً في الساحة الثقافية والفنية لدينا واختفاؤه في العمارة الهندسية يعد سبباً من الأسباب غير المباشرة، ثم إن ممارسة الخط أصبحت اهتماماً حرفياً على مستوى الاحتراف المهني غير الرفيع وحركة الحياة اليومية وكتابة اللوحات التجارية جعلت من مهنة الخط حرفة ليست على المستوى الفني والإبداعي، وشوارعنا وما تحمله من لافتات متناثرة مشوهة هي أوضح ألوان التلوث البصري الذي نواجهه في حياتنا اليومية، إلا أنه لازالت هناك الفئة ذات المستويات الثقافية والفنية الأعلى غير الخطاطين من المثقفين والنخبة الفكرية وعشاق التراث التي تقدر قيمة الخط كفن". مستقبل الخط وعن كيفية تنمية حب فن الخط العربي لدى الأجيال الناشئة؛ يجيب أمجد: "للأسف لم يعد هناك اهتمام في مدارسنا بحصة الخط التي كانت تحظى باهتمام كبير في الماضي، وكانت مادة أساسية تساهم في تنمية مهارات الطلاب ولكن ضعف الاهتمام بهذه المادة لدرجة أن مدرس الخط أصبح في حاجة إلى معلم يتدرب على يديه، فوجود معلم غير متمكن من فن الخط العربي القائم على القواعد الخطية أو إسناد تدريس هذه المادة إلى معلم اللغة العربية أو التربية الفنية من أكبر الأخطاء التي ترتكب في حق الناشئة ويجب تصحيح هذا المسار وتخصيص معلم مختص في كل مدرسة للنهوض بهذه المادة والرفع من مستوى الأداء لدى الطلاب الناشئة والموهوبين ورعايتهم والعمل على نشر وغرس قيم وثقافة هذا الفن لديهم، ولتنمية حب هذا الفن لدى الأجيال الناشئة يجب الخروج عن الروتين وعن النمط التقليدي في حصص الخط ومن خلال الأنشطة الطلابية والأندية المدرسية بروح الكلاسيكية المرحة وروح الدعابة وممارسة الرؤية البصرية وتغذية العين بنماذج من الخطوط العربية المتنوعة بالألوان بطرق مبتكرة حديثة واستخدام البساطة في تقديمها ليتذوقها الطالب ويميز بواسطة الإدراك البصري بالتدريج، كما أن تنظيم وإقامة المسابقات للتنافس ومنح الجوائز التشجيعية للمتقدمين يخلق روح التنافس بينهم، فالطفل الذي ينشأ على تذوق الجمال يمكن أن يكون إنساناً منتجاً يعرف يطور إنتاجه وقدراته، والتربية على العمل وحب الخط وتحسين خطه منذ الصغر تصنع منه إنساناً فناناً، فسني الطفل الأولى هي سني تكوين الشخصية وتنمية المواهب الفردية، وإذا وجدت الرعاية والتقدير والتشجيع ممن حوله سيكون حتماً مفتاح من مفاتيح النجاح. كما أن تعليم قواعد الخط وتدريسه لطلاب المرحلة الابتدائية له دور فعال وأساسي لما له من انعكاس إيجابي على العملية التعليمية ويعد هدفاً من الأهداف التي تصبو إليها المدارس المتميزة. فوجود خطاط متخصص يكون له أثر على اهتمام الطلاب بالخط يجذبهم ويجعلهم يلتفون ويتفاعلون حوله يقدمها لهم بطريقة سهلة بتجزئة أضلاع الحروف وتشريحها وتوضيح طريقة كتابة الحروف والكلمات مفردة ومركبة مع التشكيل أمام الطلاب وتزويدهم بأوراق عمل إضافية بتنويعها للتدريب والممارسة المستمرة وتكليفهم بمحاكاة النماذج الجميلة، شرط أن لا تتزامن حصة الخط مع نهاية الدوام المدرسي، وهذا جانب تربوي أهملت الكثير من المدارس هذه المسألة، وللأسف لم يدخل دراسياً الخط كمادة مهمة كباقي المواد حيث يجب التركيز على هذه المادة كمهارة أساسية يتم تقويمها وترصد لها درجات التقرير الدوري نهاية كل ربع أو ترم دراسي".