الخطاط الكويتي فريد العلي تتجلى روح الحرف العربي في أعماله الخطية الكوفية التي كان لمرحلة التخصص الهندسي الأثر الايجابي على دقة الخطوط وهندسيتها وانتظامها وكذلك إبراز البعد الثالث للوحات المسطحة وتجسيد الزخرفة الإسلامية. ونجد أن أسلوب العلي يمثل مثلثاً له ثلاثة أضلاع، الضلع الأول هو الفن التشكيلي بمدارسه المختلفة، والضلع الثاني هو الخط العربي بفنونه ومدارسه المختلفة، والضلع الثالث هو الهندسة بدقتها وانتظامها. العلي بدأ مشواري الفني يتفاعل مع الناس منذ المشاركات في المعارض الفنية وحصوله على عضوية الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية وتشجيع كبار الفنانين له والأخذ بارشاداتهم وتوجيهاتهم. الأمر الذي استطاع من خلاله تنويع وتطويع أشكال الخط إلى أن آخذ من خصائص ومميزات أنواع الخطوط التقليدية ووظائفها في بعض هذه التشكيلات مثل الخط الديواني والكوفي والهندسي من ليونة وحدة، وكذلك من الأشكال الموجودة في الطبيعة مثل ورقة الشجر والمركب والمرئي والمشكاة وقطرة الماء وغيرها، وفي بعض التشكيلات أخذت من الزخرفة النباتية وأضفت لهذه اللفظة الرائعة جماليات في التشكيل والمزاوجة، فكانت هذه التشكيلات باللون الأسود والمطفي على زجاج معشق شفاف والبرواز أيضاً بلون أسود مطفي فعندما يسقط الضوء على اللوحة تترك ظلاً رمادياً لشكل يتحرك مع حركة المشاهد وانتقاله من لوحة إلى أخرى فتحدث خشوعاً وتسبيحاً باسم الله تعالى. فريد العلي *بداية سألنا الخطاط فريد العلي عن بداياته متى وكيف بدأت ؟ - كانت بداياتي مع الرسم والتقليد وحب رسم تراث الكويت البري والبحري، في المرحلة الابتدائية عندما كنت في السابعة من عمري، فحين أحس مدرس التربية الفنية بوجود موهبة لدي قام بصقلها من خلال تكثيف الحصص، حيث كان الأستاذ سليمان ضياء الدين، وهو مصري، يأخذني من حصة الموسيقي لأرسم، وكان قاسيا علي، رحمه الله، من اجل إبراز الطاقات الموجودة في داخلي، وكنت ارسم وأنا في ذاك العمر بالألوان الزيتية، وكنت أحب التفاصيل في العمل وأنقل نقلآ مطابقا للصورة التي أمامي أو المنظر الذي أشاهده. كان أستاذي يشجعني كثيرا وكان يطلق علي اسم: (بيكاسو) وكنت دائما أفوز بالمركز الأول في مسابقات الأندية الصيفية في الكويت؛ وفي المرحلة المتوسطة كنت أتوقف أمام كتابات الإعلانية الجميلة علي واجهة المحلات وكانت تستهويني الكتابات المتداخلة في الخطوط، وكنت أنشد نحو خطي الديواني لليونته وجمالياته وكذلك الخط الكوفي لتنوعه وتعدد احتمالات التشكيل به، فحاولت رسم الحروف وكانت هوايتي قد ساعدتني على رسم الحروف وكذلك اطلاعي على الكتب التي تصدر في مجال الخط العربي التي ندرسها في المدارس في خطي الرقعة والنسخ التي كان لها الأثر الطيب في تقويم خطوط الكثيرين من الطلبة لأهميتها، ونرى الآن خط من هم من جيلي جميل ومتزن، فيما يحتاج خطوط الجيل الجديد إلى تهذيب وصقل، وإعادة حصة الخط العربي إلى سابق عهدها خاصة بعد تدخل الكمبيوتر ولجوء أبنائنا إلى الكمبيوتر والهواتف والألعاب الإليكترونية ولا نعلم القادم الجديد. وخلال هذه المرحلة كنت أحاول دوما التميز في كل شيء، وكان السؤال الدائم هو: هل بالإمكان رسم الخطوط بحيث تكون اللوحة المرسومة ومفرداتها تدل على معنى الكلام المكتوب؟ وظللت أحاول في هذا المجال حتى المرحلة الثانوية حيث كنت أرسم الكلام مع استخدام كل أنواع المواد من ألوان زيتية ومائية والشمع وتفريغ الخشب وتقطيع الورق والرسم على المخمل والرسم على المرايا وكسر المرايا وغيرها في تنفيذ الأعمال لإبراز المفردات. *هندسة وتشكيل وخط.. كيف جمعت بين كل هذه الفنون؟ ودراستك لهندسة المعمار.. بم أفادتك؟ - عندما تشاهد الخط الكوفي يسحرك بتنوع الأفكار والأنواع والأشكال، فبدأت أحاكي اللوحات الكوفية وعندما تخصصت في الهندسة المعمارية أضافت لي أشياء كثيرة منها البعد الثالث في الأعمال الخطية ونظافة العمل، والإتقان ودقة الحروف فكان بناء اللوحة الخطية متميزا بحيث وظفت الهندسة المعمارية لتدخل في أعمالي الخطية فكان ذلك المثلث الجميل وكل ضلع يمثل فنا وهو الرسم والخط والهندسة. وأيضا كانت للمعارض التي أقمتها أثر في تطوير الأعمال من خلال الآراء والأفكار التي أحصل عليها من الحضور وقد أقمت أول معرض شخصي وأنا في الرابعة عشرة من عمري بنادي الرازي الصيفي، وقدمت (28) لوحة خطية، وبعدها قدمت (73) لوحة من الخط التشكيلي الهندسي في الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية، ثم توالت المعارض الداخلية والخارجية. *معرض (محمديات) الذي حوى كلمة في أكثر من (50) لوحة، سبقه معرض تشكيلي عن (لفظ الجلالة) هل تود (أسلمة الخط)؟ الخط في الأصل إسلامي، فهو موجود منذ نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك كتابة القرآن الكريم وحفظه، ومن ثم جاءت كتابته بأحلى الخطوط وزخرفته بأبهى الزخارف: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). وتسابق الخطاطون في كتابة الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والكلم الطيب منذ زمن بعيد، وهذه المعارض التي تقام في شتي أنحاء العالم ما هو إلا دلالة على أن الخط أصلا إسلامي ولا يحتاج ل(فريد) لأسلمته، وعندما كتبت اسم الرسول عليه الصلاة والسلام ب (500) شكل، كانت محبته هي الدافع فهو قدوتنا، بجانب نشر هذا الاسم في العالم الذي كان أيضا احد الدوافع القوية. * وما الجملة أو الكلمة التي يخطط فريد العلي الدوران في فلكها مستقبلاً؟ البسملة؛ حيث بدأت منذ سنتين في عمل التصاميم ومازلت أصمم، ولكن نظرا لانشغالي في مركز الكويت للفنون الإسلامية ولتحقيق هدف سامٍ يفوق هدفي الشخصي يتمثل في العمل من أجل نشر الفنون الإسلامية في العالم وإعادتها إلى سابق عهدها وكذلك صقل المواهب وتعليمهم فنون الخط العربي، فقد قصرت كثيرا في هذا الجانب ولكني أحاول استقطاع وقت لتنفيذ هذا المشروع الضخم في كتابة وتصميم البسملة بأشكال غير معهودة. * كيف يرى (فريد العلي) الخط لوناً؟! وما الذي يمثله لديه: حرفة.. أم هواية، أم مجرد قضاء وقت؟ أم عالمه الخاص الذي يعيشه؟ عندما بدأ الخطاطون في الكتابة كان لون الخط هو الأسود فيما القرطاس أبيض، أما الآن فقد تغير الوضع كثيراً إذ نجد ألوانا متعددة من الحبر وكذلك الورق، وبالنسبة لي فالخط متلون حسب نوع الخط الذي يكتب به، وأرى أيضاً أن تناغم لون الحبر مع القرطاس يحقق الجمال في العمل، وبالنسبة للزخرفة أن تكون من روح الخط والقرطاس، والخط عندي هو هواية ومازالت كذلك حتى اللحظة، بل هواية متأصلة ومتجذرة في عروقي. *التشكيليون العرب – تأسرهم المحلية – أين تكمن العلة: فيهم أم في الإعلام؟ وكيف السبيل للعالمية؟ - التشكيليون العرب هم أنواع: منهم النشط الذي يعمل بجد واجتهاد ويعرف كيف يسوق لفنه واسمه في شتي المحافل الدولية، وهناك فنانون يجلسون في بيوتهم وينتظرون أن يطرق المهتمون بالفنون عليه الباب، وهناك فنانون كثيرون الكلام قليلو العمل والرسم، وهناك فنانون يعملون باكتفاء ذاتي. حقاً الفنانون أنواع عدة، ولكن للأمانة أقول: من لا يسعى للفن فالفن لا يسعى إليه لأننا نعيش في دول عربية تضع الفنون التشكيلية في ذيل الثقافة ولا تحصل علي أهمية في وزارات الثقافة، ويجب أن يحفر الفنان في الصخر حتى يكون نفسه وسيتساقط مع الزمن كل من يسمي نفسه فناناً ويبقي الجاد والأصيل ومن يحترم فنه ويحترم المشاهد ويطور نفسه عن طريق التواصل مع الآخرين وكذلك الاطلاع على تجاربهم والاحتكاك بهم. والعلة هنا في الاثنين: في الفنان والإعلام، فكم من فنان لا يستحق هذه الكلمة حاول الإعلام تلميعه ولكن مع مرور الزمن سينكشف، ونحن بالفعل نحتاج إلي إعلام ودعم معنوي ومادي من الدول وكذلك نشر هذه الفنون عن طريق إقامة المعارض للأعمال الجادة بوصفها سفير البلد ومعيار الثقافة, واستخدام التكنولوجيا الحديثة في نشر الفنون. *التكنولوجيا.. هل أثرت على الخط اليدوي - أم دعمته؟ - التكنولوجيا أثرت علي أبنائنا الصغار وأبعدتهم عن الخط العربي، وأيضا إهمال المدارس الابتدائية في تدريس الخط العربي (الرقعة والنسخ) ومن الضروري إعادة هذه الحصة وإدراجها ضمن المواد الأساسية ورصد درجات لها، خصوصا مع ما نشاهده الآن، لدرجة أن مدرسات اللغة العربية خطوطهم سيئة إلا ما ندر، فكيف نحسن خط التلميذ إذا كان المدرس يحتاج إلى تحسين خطه. أما بالنسبة للخطاطين فالتكنولوجيا صبت في صالحهم من ناحية تسهيل التركيب في اللوحة الخطية وعمل البدائل التركيبية إلى أن يصل لمبتغاه، وكذلك في مجال حفظ أعماله والتواصل بين الخطاطين عن طريق المراسلات الإلكترونية وكذلك سرعة وصول اللوحة الخطية للملتقى، وتسهيل عملية التعلم عن بعد بالمراسلة والتعرف على الخطاطين من خلال مواقعهم الإليكترونية، والمنتديات وحلقات النقاش وغيرها.