هذه قصة لمريضة أتت إلى العيادة مع أولادها وهي تشتكي من آلام مزمنة في أسفل الظهر تمتد إلى الساقين وخصوصاً الساق اليمنى والفخذ الأيمن حتى تصل إلى القدم وتزداد مع الوقوف أو المشي ولو لبضع خطوات ويصاحبها تخدر وتنميل في القدمين خصوصاً القدم اليمنى وقد جربت جميع أنواع الأدوية والمسكنات والعلاج الطبيعي ولم تتحسن وقد زارت أكثر من طبيب جراح وتباينت آراؤهم فهناك من قال لها إنها تحتاج إلى عملية توسعة ورفع الضغط عن الأعصاب وهناك من قال لها إنها تحتاج إلى عملية أكبر واستخدام مسامير وبراغٍ طبية معدنية لتثبيت الفقرات ونتيجة لتباين هذه الآراء فهي قد أصبحت مشوشة وأيضاً أولادها لايعرفون ماذا يعملون وقد أجلوا إجراء العملية حتى يتبين لهم أي نوع من العمليات تحتاج. وهذه القصة تتكرر كثيراً عند المرضى الذين يحتاجون عمليات لجراحة العمود الفقري وقد تؤدي إلى فقدان ثقتهم بالطبيب أو بالطب بصفة عامة ويصبحون مترددين عن الإقبال على إجراء العملية ممايؤدي إلى تفاقم الحالة وتأخر شفائهم. وفي مايلي سوف نحاول توضيح هذه المسألة وكيفية المساعدة على إتخاذ القرار السليم بإذن الله. أمراض أسفل الظهر في الواقع هناك الكثير من المشاكل الطبية التي قد تصيب منطقة العمود الفقري في أسفل الظهر وقد لايتسع المجال لذكرها كلها ولكن من أهم هذه المشاكل هي مشاكل الانزلاق الغضروفي في الفقرات القطنية ومشاكل ضيق القناة الشوكية ومشاكل زحزحة وتخلخل الفقرات. وعادةً ماتنقسم شكوى المرضى إلى قسمين القسم الأول ناتج عن الخشونة والاحتكاك والجفاف في الفقرات نفسها وأيضاً وجود خلخلة في الفقرات نفسها وهذه تسبب آلاماً في أسفل الظهر خصوصاً مع الحركة أما القسم الآخر فهو نتيجة الضغط على الأعصاب التي تمر من خلال القنوات والفتحات الموجودة في منطقة الفقرات القطنية وتعبر من خلال هذه الفتحات لتمر بمنطقة الورك والفخذ والساق لتغذي هذه المناطق بالإحساس والحركة. وفي هذه الحالات التي يكون هناك ضغط على الأعصاب فيها فإن الشكوى تكمن في الشعور بآلام في الفخذ والساق والقدم تزداد مع الوقوف والمشي وقد يصاحبها تخدر وتنمل في الساق. وفي بعض المرضى تكون الشكوى مكونة من هاتين الشكويين حيث يكون لديهم آلام في أسفل الظهر بالإضافة إلى آلام تمتد للساق. والأعراض الناتجة عن الآلام التي تبدأ في منطقة زر الورك وتمتد إلى الفخذ والساق هي معروفة لدى العامة بأعراض عرق النسا. طريقة التشخيص هناك العديد من الأساليب التي تساعد الطبيب والمريض على تقرير الجراحة المناسبة له. فخلال الفحص السريري يتم تحريك منطقة أسفل الظهر للأمام وللخلف وللجانبين وإذا كانت هناك آلام مبرحة عند تحريك هذه المنطقة فإن هذا دليل على وجود خلل أو خلخلة أو عدم ثبات أو خشونة شديدة في منطقة أسفل الظهر مما قد يستدعي إجراء تثبيت. أما إذا كانت الأعراض فقط متركزة على منطقة الفخذ والساق وتتكون من ضعف أو تنمل أو نقص في الإحساس في الساقين فقط من دون وجود آلام في أسفل الظهر فإن هذا دليل أو مؤشر على أن الجراحة اللازمة هي فقط عملية توسعة للقنوات العصبية بدون إجراء تثبيت. بالإضافة إلى ذلك فإننا نلجأ إلى عمليات سينية لمنطقة الفقرات القطنية في وضعية الثني إلى الأمام بقدر المستطاع ووضعية الثني إلى الخلف بقدر المستطاع حيث إن هذه الأشعة تساعد كثيراً على إظهار أي خلخلة أو عدم ثبات في منطقة الفقرات القطنية. كما أن أشعة الرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية تساعد أيضاً على تحديد نوع العملية الجراحية اللازمة. فإذا كانت هناك خشونة شديدة في المفاصل الصغيرة في أسفل الظهر أو ميلان جانبي في منطقة أسفل الظهر أو تزحزح في الفقرات فإن كل هذه مؤشرات على أن التثبيت قد يكون لازماً. أما إذا أظهرت الأشعات وجود تضيق في القنوات العصبية وضغط على الأعصاب فقط من دون وجود خلخلة فإن العملية الجراحية اللازمة هي عملية توسعة للقنوات العصبية فقط. بالإضافة إلى ماذكرناه سابقاً فإن الطبيب قد يلجأ إلى عمل تخطيط عصبي للقدمين والساقين وهذا يساعد على إظهار مدى تأثر الأعصاب في هذه المناطق. عملية توسعة القناة الشوكية وهذه عبارة عن مجموعة من العمليات التي قد يتم إجراؤها عن طريق فتحة جراحية صغيرة باستخدام الميكرسكوب أو عن طريق المنظار أو بأي وسيلة أخرى ولكن الهدف منها هو إزالة الضغط الموجود على الأعصاب وتحرير العصب. وهذه العمليات يتم إجراؤها كما ذكرنا سابقاً في حال عدم وجود خلخلة أو تزحزح في الفقرات وفي حال كانت الأعراض متركزة في الفخذين والساقين. وبصفة عامة فهذه العمليات تعتبر عمليات صغرى إلى متوسطة في جراحة العمود الفقري وعادةً ماتستغرق حوالي الساعة إلى الساعتين حسب عدد الأعصاب المراد تحريرها. وفي هذه العمليات لايتم عمل تثبيت ولا يتم استخدام أي براغٍ أو مسامير طبية. ولهذا السبب فهي أقل خطورة وأصغر وأقل تكلفة وأسهل على المريض أو المريضة. وفي الغالبية العظمى من المرضى فإن المريض أو المريضة يستطيع القيام والمشي في نفس يوم العملية ويستطيع الخروج من المستشفى خلال يومين أو ثلاثة على الأكثر بإذن الله. وهذه الجراحات ذات نتائج ممتازة تقارب مافوق التسعين في المئة بإذن الله في إزالة الأعراض الناتجة عن الضغط على الأعصاب مثل الآلام التي تمتد خلف الساقين والفخذين إلى القدمين والتي يصاحبها تنمل أو خدر خصوصاً عند الوقوف أو عند المشي. وفي الواقع أن كثيرا من جراحات العامود الفقري تقع في هذه الفئة من العمليات. كما ينطوي تحت هذه العمليات أيضاً عملية الانزلاق الغضروفي أو استئصال الدسك المنزلقة والتي تضغط على الأعصاب حيث إنها من حيث المبدأ هي نفس الجراحة التي يتم عملها عند توسعة القناة الشوكية. أما بالنسبة للمضاعفات المحتملة عند إجراء مثل هذه العمليات فهي مثل أي عملية جراحية أخرى تتكون من خطورة التهابات جرثومية وفي هذه الحالة يتم إعطاء المريض مضادا حيويا قبل العملية وبعد العملية لتجنب حدوث هذه الالتهابات. أيضاً هناك خطورة احتمال حدوث نزيف وهو شيء نادر جداً حيث أن هذه العمليات مدتها قصيرة وفتحتها الجراحية صغيرة وعادةً لايفقد المريض الكثير من الدم خلال هذه العملية ولا تستدعي نقل دم. أيضاً هناك خطورة على الأعصاب عند إجراء هذه العملية حيث إن هذه الأعصاب أساساً مضغوطة نتيجة المرض ولكن هذه العمليات يتم إجراؤها عن طريق استشاريين متمرسين في مثل هذه الجراحات وأيضاً يتم استخدام أجهزة طبية خاصة بمثل هذه العمليات ويتم استخدام مكبرات تجعل من الأعصاب كبيرة وواضحة ممايؤدي إلى إزالة الضغط عنها بسهولة وبأمان بإذن الله. عمليات التثبيت الداخلي للفقرات القطنية وهذه الجراحة يتم اللجوء إليها عندما يكون هناك عدم ثبات، خلخلة أو تزحزح أو ميلان في الفقرات و أيضاً عندما تكون الأعراض التي يشتكي منها المريض أو المريضة متركزة في منطقة أسفل الظهر وتكون هناك آلام عند الحركة وعند ثني منطقة أسفل الظهر. وخلال هذه الجراحة التي عادةً مايتم إجراؤها بالإضافة إلى جراحة التوسيع فإنه بعد أن يتم توسع القناة الشوكية يقوم الجراح باستخدام براغٍ طبية لتثبيت عدد معين من الفقرات المريضة وربطها بعضها البعض باستخدام أسياخ طبية فائقة الجودة. هذه البراغي والأسياخ مأمونة تماماً بإذن الله وذات جودة عالية ومصنوعة من مادة التيتانيوم باهظة الثمن والتي لاتؤثر على الجسم. ويتم زرع هذه البراغي بطريقة معينة بحيث تؤدي إلى الثبات المطلوب ولاتؤدي إلى أية آثار جانبية بإذن الله. وهذه البراغي لا تتفاعل مع الجسم ولاتؤثر عليه سلباً ولايتم إخراجها بعد زرعها في الجسم بل تبقى في الجسم مدى الحياة بإذن الله. وبالنسبة لنجاح هذه العمليات فهو يبلغ التسعين في المئة بإذن الله تعالى عندما يتم اختيار المريض بدقة ويتم شرح العملية الجراحية له. وعادةً ماتستغرق هذه الجراحات حوالي الثلاثة إلى أربع ساعات حسب وزن المريض وحسب عدد الفقرات المراد تثبيتها. ونظراً لأنها جراحة أكبر وأطول من عملية التوسعة فقط فإنه قد يلزم إعطاء المريض وحدة من الدم بعد الجراحة. وبالنسبة للمضاعفات المحتملة فإنها مثل جراحة توسعة القناة الشوكية ولكن إيضاً هناك إحتمال أن تنكسر هذه البراغي لاسمح الله نتيجة زيادة وزن المريض أوالمريضة أو نتيجة عدم التئام الفقرات المدمجة. ولتفادي هذه المضاعفة فإنه يتم عمل زرع طعم عظمي حول المنطقة المراد تثبيتها لضمان الدمج بإذن الله. كيف تختار العملية المناسبة لك؟ في الواقع أن ماذكرناه سابقاً هو إرشادات عامة عن طريق استخدام العملية المناسبة في الشخص المناسب. فإذا كانت الآلام في الظهر والساقين أو كانت هناك خلخلة في الفقرات فإنه يجب استخدام المثبتات الداخلية أما إذا كانت الآلام تتركز في الفخذين والساقين بدون وجود آلام في أسفل الظهر وبدون وجود خلخلة في أسفل الظهر فإن عملية التوسعة تكون كافية بإذن الله. وننصح المرضى بالأخذ أكثر من رأي وفي حال اجتمعت الآراء على إحدى العمليتين فإن هذا هو الطريق الصحيح بإذن الله. العملية ذات نسبة نجاح كبيرة قد تتفاقم الحالة الطبية للمريض هناك الكثير من المشاكل الطبية التي قد تصيب منطقة العمود الفقري في أسفل الظهر