تميّز الرحّالة البريطاني ويليام جيفورد بلجريف (1826188م) من بين الرحالة الأوروبيين بأنه أول أوروبي زار الرياض عاصمة الدولة السعودية وهي في أوج قوتها، وهو أول من اخترق إقليم سدير بعد توقف لفترة في القصيم، وهو أول أوروبي أقام في الأحساء فترة طويلة ثم في القطيف في طريقه إلى المناطق الجنوبية من الخليج حيث تمكن من زيارة ضفتيه الشرقية والغربية، ولذا فإن هذا الرحّالة الذي اخترق الجزيرة العربية من أقصى نقطها في شمالها إلى أقصى نقطة في جنوبها الشرقي يعد أول من قام بهذه الرحلة الشاقة لا بوصفه سائحاً عابراً وإنما بوصفه مراقباً وراصداً ومحققاً لأوضاع هذه المناطق سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. هذه هي الأسباب التي دعت الدكتور محمد بن عبدالله آل زلفة إلى ترجمة وتحرير رحلة بلجريف التي صدرت في لندن سنة 1865م تحت عنوان :(وصف رحلة سنوات خلال وسط وشرق الجزير العربية) كما ساقها في الجزء الأول من هذه الرحلة الذي نشرته دار بلاد العرب 2012م بعنوان: (حائل في كتابات الرحالة ويليام بلجريف 1279ه/1862م) مشيراً إلى أنه سيتبعه بأعمال أخرى تتضمن ما كتبه بلجريف عن القصيم وسدير والعارض ثم ما كتبه هذا الرحّالة عن الأحساءوالقطيف وغيرهما. وبغض النظر عن الخوض فيما أثير من شكوك حول حقيقة هذه الرحلة وحول شخصية بلجريف وآرائه المتطرفة ومواقفه المتحاملة فإن ترجمة ما كتبه الرحّالة والمستشرقون عن بلادنا أمر في غاية الأهمية لأنها من المصادر التي لا يستغني عنها الباحث في تاريخ الجزيرة العربية بصفة عامة وتاريخ الدولة السعودية بصفة خاصة ولذا فمن واجبنا أن نشكر آل زلفة على جهوده وأعماله المتعددة في هذا الباب. وقد عمد آل زلفة إلى تقسيم كتاب بلجريف المكوّن من مجلدين إلى أربعة أجزاء في ترجمتها العربية كما ذكر تسهيلاً على القارئ العربي وتجنباً لضخامة الكتاب!! حيث حصر كل جزء في منطقة جغرافية واحدة بحيث يصدر مستقلاً عن الآخر، ويبدو لي أن ذلك سيكون على مدى زمني غير محدد!! وكنت أتمنى أن لا يتم تقسيمه بهذه الطريقة بل تصدر الترجمة الكاملة لكتاب بلجريف متصلة في قالب واحد حفاظاً على وحدة الرحلة والكتاب ومنعاً لتشتيت الذهن بتفريق مادة الكتاب لأنها ستكون عندئذ أكثر فائدة للعلم والتاريخ وللقارئ الحقيقي الذي لن يثقله حجم الكتاب بقدر ما يزعجه انتظار مادته الباقية. أما ما يخص حائل فقد جاء في ثلاثة فصول: الأول: عن وصف رحلته من الجوف حتى دخوله حائل، والفصل الثاني: عن الحياة في حائل، أما الثالث فخصصه عن الحياة داخل قصر الحكم في حائل. استطاع بلجريف من خلال هذه الفصول الثلاثة كما يؤكد آل زلفة أن يرسم صورة ذهنية جميلة بل رائعة عن مدينة حائل، وعن نظام الإدارة، وطبيعة الحكم المحلي في هذه المنطقة الإدارية التابعة للدولة السعودية الثانية في ذلك الحين، وعن شخصية أميرها طلال بن عبدالله الرشيد الذي رسم المؤلف له صورة رومانسية للحاكم العربي المتصف بالصفات العربية النبيلة، كما قدم صورة عن مجتمع حائل وتركيبته السكانية والجذور التاريخية لقبيلة شمر ومواطن طيئ، وتطرق إلى روح التسامح التي يتحلى بها هذا المجتمع العربي الأصيل، كما ذكر أهم مميزات المجتمع الحائلي المتسم بالكرم والانفتاح واحترام الغريب وتقديره، كما تحدث عن الأوضاع السياسية في حائل والأحداث التي شهدتها أثناء إقامته بها ، كما تحدث عن علاقة حائلبالرياض وعلاقاتها بغيرها.