ومات خادم الحرمين الشريفين الذي نذر حياته طوال ربع قرن لخدمة وطنه وشعبه وأمته. وفاة الملك فهد نزل على قلب كل مواطن ومقيم في هذه البلاد وقوع الصاعقة.. حزن .. وجوم.. سواد يغطي كل الوجوه.. كل الدروب، كل الشرفات، ونوافذ البيوت على امتداد الوطن.. حزن.. وجوم.. سواد.. تنثره حدقات العيون دمعا مدرارا، عيون الصغار، والكبار وعيون النساء والرجال بعد أن غيب الموت خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله. لقد نزل الخبر على الأسماع والقلوب كالصاعقة.. خاصة وهو يأتي بعد أيام قليلة من الإعلان عن شفاء الملك فهد.. واستبشار المواطنين بذلك النبأ.. ولم تمض الا ايام قليلة حتى جاء الخبر الفاجع لكل القلوب بوفاة خادم الحرمين الشريفين وانتقاله إلى رحمة ربه.. وجوم.. حزن.. سواد كان يغلف فضاءات يوم امس الاثنين الحزين.. بعد أن فقدت هذه البلاد.. وكل الأقطار العربية والإسلامية وكل انسان في هذه الأرض قائدا فذا عبقريا قل أن يجود الزمان بمثله وحاكما نذر نفسه لخدمة وطنه وأمته.. والوصول بهذه البلاد وشعبها الى مواقع النجوم وقمم التقدم والمجد. وزعيما نذر على نفسه الدفاع عن قضايا امته.. وتسخير كل امكانات بلاده لذلك وتوظيف كل امكاناته لخدمة قضايا أمته العربية والإسلامية في جميع المحافل الدولية وتكريس جميع جهوده من أجل أن يحصل أبناء الشعب الفلسطيني على حقوقهم كاملة.. وأن يتمكنوا من استرداد وطنهم المسلوب.. وأن يقيموا دولتهم المستقلة.. ويتمتعوا بحقهم المشروع في العيش بسلام في وطنهم وأرضهم التي اغتصبت منهم. وسياسياً جنّد كل خبراته وقدراته من أجل خدمة قضايا المسلمين في كل أنحاء المعمورة.. والعمل على جمع كلمتهم.. وتوحيد صفهم.. وحل جميع ما يحدث بينهم.. أو لهم من خلافات أو مشاكل كان لها أكبر الأثر في ما تعانيه الشعوب الإسلامية من ضعف وترهل! مات خادم الحرمين الشريفين - يرحمه الله -.. الرجل الذي جند امكاناته طوال فترة حكمه التي زادت عن ربع قرن من أجل خدمة السلام العالمي.. ونزع فتيل الخلافات التي تحدث بين الدول والشعوب حتى ينعم الإنسان على سطح هذه المعمورة بالأمن والسلام والمحبة.. ويوجه جهوده وفكره وعمله من أجل خدمة الإنسانية وما يحقق لها الوئام والسلام.. بدل التوجه للدمار والخراب والقتل.. ان فقد رجل كخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ليس خسارة لشعبه وأمته ووطنه.. وانما هو خسارة لشعوب الأرض قاطبة.. ولكل الشعوب نظرا لما قدمه يرحمه الله من خدمات وأعمال جليلة لكل شعوب العالم قاطبة دون تمييز او تفريق بين شعب او لون.. او دين.. فكل شعوب الأرض في الإنسانية أخوة.. خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بكتك كل العيون.. وتفطرت حزنا لموتك كل القلوب.. ولو استطاع كل مواطن ومواطنة في هذه البلاد يفتديك بروحه لما بخل بها فداء لك.. ولكن الموت حق على كل الكائنات، وعزاء وطنك الوحيد بعد موتك ان من سيتسلم الأمانة من بعدك هم اخويك الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز وهما اللذان تخرجا من مدرستك.. مدرسة الحنكة والحكمة والعدل.. مدرسة الأمانة والعمل المخلص لخدمة الوطن والمواطن وحماية مكتسبات هذا الوطن.. والسعي الحثيث للوصول به لأعلى درجات التطور والرفاهية. خادم الحرمين الشريفين الذي أعلن من طيبة الطيبة انه اختار ان يكون خادم الحرمين بدلا من الملك وهو اسم اختاره لأنه لم يأت لحكم هذه البلاد الا من أجل خدمة الحرمين الشريفين وخدمة كل من يحج لهما.. وقد دشن هذا باطلاق المشروع العملاق لتوسعة الحرمين الشريفين والذي يعد أكبر وأضخم توسعة للمسجد الحرام في مكةالمكرمة والمسجد النبوي في المدينةالمنورة، والتي تعد من المشاريع العملاقة التي نفذت في الألفية الثانية على مستوى العالم قاطبة. وعمل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد يرحمه الله خلال فترة حكمه على إنشاء العديد من المراكز الإسلامية في مختلف قارات العالم.. والتي رصدت لها الدولة ميزانيات ضخمة من دخلها السنوي لتساهم في رفع كلمة الله في جميع أنحاء المعمورة.. وتنشر الإسلام دين المحبة والسلام في كل جزء من هذه الأرض.. ويتمكن المسلمون من اقامة شعائر دينهم في اي مكان يوجدون فيه فارتفعت مآذن المساجد والجوامع وارتفع من خلالها الاذان مجلجلا مدويا يردد «الله أكبر.. الله أكبر لا إله الا الله». كان عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -يرحمه الله - حافلا بالانجازات الحقيقية التي سارت بهذا الوطن نحو آفاقا متقدمة في مجال التطور والتقدم والرفاهية على كل المستويات.. وخاصة في المجالات التي تعنى بصحة الإنسان، وعلمه وأمنه، ورفاهيته.. وقاد خادم الحرمين الشريفين يرحمه الله عجلة البناء في هذه البلاد على مدى ربع قرن.. فنشر مؤسسات التعليم بجميع مستوياتها في كل جزء من هذه البلاد.. واقام المنشآت الصحية بجميع درجاتها في كل موقع.. وفتح لأبناء البلاد كل المجالات للتدريب وتطوير قدراتهم.. وكسب أعلى الخبرات في كافة المجالات التي يحتاجها الوطن من خلال عشرات الكليات والمعاهد الفنية ومراكز التدريب. وقاد - يرحمه الله - مسيرة التطوير والتحديث لكل مؤسسات الدولة بما يتفق مع ما يتطلبه العصر.. والنقلة السريعة التي يشهدها العالم في المجالات التكنولوجية والمعلوماتية والتقنية بما يحقق التطور والرفاهية للوطن والمواطن: فقامت بذلك علاقة متميزة من الحب والولاء بين المواطن وقيادته قل ان يوجد لها مثيلا في العالم.. علاقة حب صادقة لا تعرف الزيف والخداع والشعارات الكاذبة.. لأنها علاقة تنطلق من قلب كل مواطن.. وتصل الى قلب قيادته. وعلى المستوى العربي فقد عمل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد يرحمه الله على خدمة قضايا أمته.. والبعد بها عن كل الخلافات التي تؤثر على مسيرتها.. وتعيق تقدمها.. وتئد كل طموحاتها.. وتعرقل كل طموحات شعوبها.. وتبتعد بها عن الوصول إلى حقوقها المشروعة التي تاهت بها السبل.. وعصفت بها تلك الخلافات التي لا تكاد تنتهي على الساحة العربية حتى تعود من جديد أشد وأنكى.. لقد حاول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد يرحمه الله طوال فترة حكمه الخروج بأمته العربية من متاهات هذه الخلافات، ودهاليز تلك العداءات حتى تستعيد الأمة العربية عافيتها.. وتسترد قواها.. وتوحد جهودها لتكون أمة فاعلة ومؤثرة على المستوى العالمي. ورغم سعة الخلافات وتباين الآراء.. وتناثر الأحقاد داخل النفوس الا ان خادم الحرمين استطاع ان يرأب الصدع في الكثير من المناسبات وأن يعالج العديد من الخلافات وان يعيد للأمة العربية تماسكها وعافيتها. وفجأة ودون مقدمات جاءت كارثة غزو العراق للكويت والتي كان لوقعها على خادم الحرمين الشريفين الملك فهد يرحمه الله أكبر الأثر.. واشد الألم.. لأنه لم يكن يتوقع ان تصل الأمور بدولة عربية شقيقة أن تستبيح حرمة أرض وشعب دولة شقيقة أخرى مجاورة ويمثل ما حدث في ذلك الغزو المؤلم .. وما صاحبه من أحداث.. وانقسامات بين قادة العالم العربي.. وشعوبه بشكل يعكس ما تعانيه هذه الأمة العربية من تفكك.. وتآمرات يكون ضحيتها الوطن العربي وامته.. لقد كان وقع تلك الكارثة على خادم الحرمين الشريفين يرحمه الله قاسيا ومؤلما وموجعا.. لأنه يدرك بحنكته وخبرته وبعد نظره ما ستجره هذه الكارثة من ويلات ومشاكل وأمراض على مستقبل الأمة العربية بأسرها.. وعلى مستقبل شعوبها وقضاياها على حد سواء!! ولهذا لم يحتمل جسد خادم الحرمين الشريفين يرحمه الله تلك الصدمة والموجة التي شرخت وحدة الصف العربي.. ووأدت كل تطلعاته لمستقبل واعد.. وفتحت المجال على مصراعيه لكل الطامعين في تركيع هذه الأمة واذلالها أن يصلوا إلى أهدافهم بكل يسر وسهولة.. وبشكل لم يكونوا يتوقعوه على الاطلاق. يرحم الله خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز والدعاء من الله العلي القدير أن يوفق خلفه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قيادة أمته والحفاظ على مكتسباتها وتحقيق طموحاتها.. يعاونه في ذلك ولي عهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ويقف من ورائه كل أبناء هذا الشعب السعودي الذين يبايعون قيادتهم الجديدة بكل الحب والولاء والاخلاص لله، والدين، والوطن.