تبدو حكاية هذه الموسيقار ذو البشرة فائقة السواد نوعاً لذيذاً من المعاناة التي قد تلد في بعض الأحيان إبداعاً شهي المذاق وطويل المفعول، ري تشارلز لمن لا يعرفه هو الشخص الذي أعاد للبيانو هيبته بعد بيتهوفن كما يذكر ديفيد ساميون الكاتب في صحيفة Los Angeles Times. رغم أن ري ومنذ صغره لم يكن يرى سوى الظلام ناسياً بسبب ذلك كيف أصبحت ملامحه وكيف تغيرت في فترة مراهقته وشبابه وفاقداً امتداد ناظريه بموجب قانونه القدري المؤلم منذ الطفولة حيث كان في إحدى الأيام التعيسة يلعب هو وأخوه الصغير ليسقط في خزان الماء الساخن المحاذي لمنزل عائلته الفقيرة وبسبب الماء والذي بدلاً من أن يكون شيئاً ضرورياً للحياة أصبح سبباً رئيسياً ليفقد ري تشارلز بصره مدى الحياة. لم يكن هذا الظلام الناتج عن فقدانه لرؤية العالم والمحيط من حوله سبباً ليستسلم أو يصرخ بالبكاء ويعطي للموت وللحزن وللكآبة جسده وكنز أمنياته الثمين؛ بل كان مقاوماً بشكلٍ شرس صانعاً من كل المكونات الواقعية والاجتماعية ذات المؤشر القاسي والبائس دافعاً له كي ينهض للعيش كما يود فالحلم الذي بداخله يكبر ويتضخم مع كل حاجز يقفُ أمامه للسخرية أو لإعاقته عن الاستمرار في نضاله المشابه للمعجزة بل المتماثل معها أحياناً،هو يقول معبراً عن هذا كله بعد أن أصبح وفق مجلة "روينق ستون" من العشرة الموسيقيين الخالدين في تاريخ الموسيقى الأمريكية: "ليس هناك شيءٌ أصعب من أن تكون أعمى، من أن تبحث عن الكوب الذي تريد أن تضع فيه مشروبك المفضل لتبحث ساعات كثيرة حتى تتلاشى رغبتك في الشرب، ليس هناك شيءٌ أقسى من أنك تُحب زوجتك باندفاع يفوق الجنون دون أن تستطيع أن ترى وجهها ولون شعرها وثوبها الذي اشترته لترتديه من أجلك، دون أن تستطيع أن تقول إن لونه جميل ومغرٍ، دون أن تتمكن من معرفة موقع الأزرار في الخلف كي تساعدها على إغلاقه وهي تنظر إلى المرآة ويديّك في الخلف، هذا كله مؤلم وأنا أعرف بأنه أكثرُ من ذلك لكن الأحلام الجميلة،الأحلام التي تستطيع أن تراها بقلبك حتى وإن كنتُ لا تبصر هي الشيء الحقيقي الذي يستحق النضال والنهوض حتى وإن وقعت ألف مرة بس وعّورة الطريق!" حين كان ري في الثالثة من عمره انتقل هو ووالدته إلى الجانب الغربي من ولاية فلوريدا والتي تتسم بأن أغلبية سكانها من ذوي البشرة السوداء، هذا الانتقال شكل فرصة لري تشارلز ليشارك في الكنيسة ويطلق حنجرته للريح مترنماً بتراتيل الإنجيل وليتعلم أيضاً العزف في مقهى"ريد وينج" الضيق والذي لا يتسع إلا لعشرة أشخاص فقط مجيداً هناك قراءة النوتات الموسيقية على طريقة (بريل) من خلال أصابعه السمراء ليُحيّ في الحانات الرخيصة ذات الرائحة العفنة حفلاته الصغيرة وفي يومٍ ما كان أحد زوار تلك الحانات المنتج الشهير "كوينسي جونز" بمحض الصدفة واستمع لغنائه وعزفه ليقنعه بعد ذلك بتوقيع عقدٍ مع شركة "أطلنطك" وهي الشركة التي كان يعمل فيها ليحقق نجاحاً باهراً ويقف لساعات طويلة على أغلب المسارح العالمية؛إلا أن الشهرة وكما هو معتاد لها ضريبة قاسية في أغلب الأحيان ففي عام 1955 بدأ ري تشارلز إدمان تلك المادة البيضاء -الهروين- التي تعطيك القليل من المتعة والكثير العذاب والألم ليتلقى العلاج بعد أن دفعته زوجته إجباراً في إحدى العيادات الشهيرة في لوس أنجلوس عائداً إلى رونقه بالكثير من نقرات البيانو الممتعة. *مقطع من إحدى أغنياته الشهيرة: "حبيبتي أنا بالانتظار وبداخلي الكثير من القلق لكن لا يهم حتى وإن كان ذلك موجعاً لأنني أعرف بأنكِ في يومٍ ما ستعودين وسنحتفل سوياً دون أن أنسى وضع أصابعي على ملامحك كي أتذكر كم من الألم أحتاج لأتحاشى غيابك!"