نحن مستهلكون من الحزن.. ذائبون فيه.. وآخرون مستهلكون من الفرح.. حاضنين له في الصيف والشتاء.. والليل والنهار... وبين تقاطعات هذا الاستهلاك النفسي والعصبي.. تتوقف أمام من منهما أكثر رسوخاً لفرحه، أو حزنه؟ من منهما ترمدت أحزانه؟ أو لا تزال نارها مشتعلة؟ من منهما لا يزال هادراً بفرحه المتنامي؟ طافقاً على حدود الانطلاق دون أي توقف؟ أو خضوع لقانون الإشارات الضوئية؟ سنتفق على صياغة مفهوم مشترك دون فلسفة مرسومة أو صياغة مستجدة.. سنتفق على ملامسة الفرح ما بين الحسي والعملي، وبمضمون استئناس الحياة الصعبة، وتحويلها إلى لحظات ملهمة.. هو العيد وإن ارتأى الحزانى أنه ليس عيدهم.. كما تقول ابنة صديقتي التي فقدتها منذ ستة أشهر (لا علاقة لي بالعيد.. بعد غياب أمي.. كيف سيكون الإفطار الصباحي؟ كيف سيشرق النهار الأول؟ عبثاً أحاول أن أسحبها على شاطئ الفرح الوهمي، أو المؤقت لكن أنهيت المكالمة دون جدوى.. هو العيد.. عيدنا نحن المسلمين.. يأتينا لنتسنم الفرح ونعيش مع من حولنا حكايا المعرفة الغائبة.. نلتقي وكأننا لم نلتق من قبل.. هو العيد مؤسسة خاضعة للفرح.. يكفي أن ترى فرحة الأطفال واستعدادهم.. وتصلي العيد لتشعر بعظمة هذا الدين، وهذه التفاصيل الموزعة به؟ لا تبحث في داخلك مهما كانت مرارة الأيام.. وقسوتها عليك لمسار تُخرج منه أزهار توزعها على المقيدين.. ولا تستهل أحداً لتحدثه عن حزنك.. هم الآخرون لديهم ما لديهم.. ومياه الوجع قد تغمرهم مثلك.. لكن في صخب العيد.. عليك أن تتحرر تمامًا مما اعتدت عليه اختياراً.. وتتخلص من رداء يجوز الحزن في كل الأوقات.. في العيد الذي هو صورة لنشر ثقافة التسامح والمحبة، ينبغي أن تكون أكثر المستهلكين للحب.. والإنسانية.. وكما نأسر بالاستعداد للعيد معنوياً علينا أن نخترع داخل أيامه الفرح.. وأن نتحصن داخل الحب.. ومضامين الرحمة.. وأن تكون قادراً على تقديم الأنثى لديك.. والأكثر صدقاً للآخر.. عيدكم مبارك.. عيد تمطر فيه اللحظة كلمات، تستمع إليها وتقرؤها.. وربما نقولها.. ولكن نأمل أن تتشابك مع دواخلنا بصدقها، وأن تغطينا بأهداب الجمال في العيد.. عيد سعيد.. نستريح فيه على ضفاف قلب الأيام دون ثمة حاجة للمخيلة.. أو استلهام احساس التعود على اعتيادية الزمن.. عيد مبارك لا تشبه أيامه ما قبلها، ولا ما بعدها.. منزوعة من الهموم، مصنوعة من خيوط الأمل.. ومستكينة في زوايا عيون الفرح.. ينعاد عليكم وكأن الشروق يتسلل إلى الدواخل، دون أن يفقدها توازنها.. كل عام وأنتم متعثرون بالفرح.. متدثرون بالأمل.. مشمولون بقاموس سحر مفردات العيد.. عساكم تعودون إليه بكل المشاعر الصاخبة.. والدهشة التي تتسع للعطر.. والسحر.. والإصغاء إلى نبض كل الأيام.. ينعاد عليكم وأنتم بألف خير..