قاد الملك فهد المملكة العربية السعودية في مرحلة اتسمت بكثير من الأحداث الداخلية والخارجية التي كانت تتطلب اتخاذ قرارات صعبة. إن المملكة بثقلها الديني، والسياسي، والاقتصادي على النطاق العربي والدولي كانت بحاجة إلى قائد طموح وذي نظرة ورؤية واضحة للمستقبل، كانت بحاجة إلى قائد يقودها إلى العصر الحديث، عبر مسارات التنمية المختلفة، كانت بحاجة إلى قائد يضعها في المكانة اللائقة. وهكذا كان الملك فهد حاضراً في الوقت المناسب ليقود البلاد نحو المستقبل بطريقة متوازنة تجمع بين الأصالة والتحديث في مسيرة التنمية الشاملة التي قادها الملك فهد كان هناك قرارات استراتيجية مثل فتح المجال للشباب للدراسة خارج المملكة، وتلك القرارات المتعلقة بالتنظيم السياسي والاداري للدولة، مثل النظام الأساسي للحكم، ومجلس الشورى، ونظام المناطق. ومن أهم القرارات الاستراتيجية تلك القرارات المتعلقة بتنمية الموارد البشرية عبر دعم إنشاء معاهد التدريب، وإنشاء صندوق تنمية الموارد البشرية، وفتح المزيد من الجامعات في كافة أنحاء المملكة، ودعم ميزانيات قطاع التعليم بكافة أنواعه ومستوياته، وفتح المجال لإنشاء الجامعات الأهلية. وفي إطار تنمية الموارد البشرية كانت سياسة السعودة خطوة اقتصادية واجتماعية بالغة الأهمية أثمرت عن توظيف أعداد كبيرة من المواطنين المؤهلين في مؤسسات القطاع الخاص، وفي الأجهزة الحكومية ولاتزال هذه السياسة مستمرة وتنفذ وفق آليات جديدة لتحقيق أهدافها بفعالية أكبر. وهناك قرارات استراتيجية أخرى ذات علاقة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية، يتطلب حصرها وتحليلها إعداد وتأليف كتب متخصصة وليس مقالات عابرة. وهناك قرارات من نوع آخر وهي قرارات الأزمات التي تتطلب الشجاعة والسرعة، والثقة، وتوفر السمات القيادية، والرؤية الشمولية لمتخذ مثل هذه القرارات. في هذا الإطار يبرز قرار تحرير الكويت من قوات صدام حسين أحد القرارات المفصلية في التاريخ الحديث وخاصة بالنسبة للمنطقة العربية والدعوة إلى اجتماع مجلس النواب اللبناني بالطائف لحل الأزمة اللبنانية، وإعلان وثيقة الطائف لحل تلك الأزمة برعاية الملك فهد وكانت قضية فلسطين في مقدمة أولوياته فهذه القضية كانت ولاتزال هي قضية السعودية الأولى عبر المراحل التاريخية المختلفة، فهي تحظى دائماً بالدعم السياسي، والمادي، والمعنوي بشهادة الفلسطينيين أنفسهم فهم دائماً يقدرون مواقف المملكة، وعندما يرسلون كلمات عتاب إلى الدول العربية فإن السعودية تستثنى من ذلك. وفي إطار الاهتمام بقضية فلسطين كان قرار الملك فهد الشجاع بطرح مشروع شامل للسلام، ينتهي بإقامة دولة فلسطين المستقلة عاصمتها القدسالشرقية وحل مشكلة اللاجئين، من أجل إيجاد سلام دائم وعادل بين إسرائيل والعرب كانت مبادرة سلام، ولكن إسرائيل رفضتها. إن القائد الحقيقي لا يجد الطريق أمامه مفروشاً بالورود فالمحك الحقيقي للقيادة هي القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، والشجاعة، والقدرة على قيادة الآخرين وفق رؤية واضحة، تمكنه من اجتياز العقبات والأزمات وحل المشكلات، وكان المسرح السياسي أمام الملك فهد ينتقل بأحداثه من أزمة إلى أخرى، حيث أزمة العراق وإيران، واحتلال العراق للكويت، ثم أزمة الإرهاب، وقبل ذلك وبعده أزمة فلسطين. لكن المملكة بقيادة الملك فهد لم تكن تقبل دور المتفرج بحكم ثقلها الديني والاقتصادي وموقعها الاستراتيجي، والدور الإنساني للمملكة الذي ينطلق من قناعة راسخة لدى القادة، وأفراد الشعب. وعلى المسرح الداخلي كان المجتمع السعودي بحاجة إلى قرارات وإصلاحات وكان الملك فهد صاحب شخصية تتسم بالحضور القيادي وبالقدرة على اتخاذ قرارات حكيمة تتسم بالشمولية والرؤية المستقبلية وخدمة المصالح والإصلاحات الوطنية. [email protected]