في زمن متخم بالتحديات والآلام والجراح يترك فارس عظيم من فرسان هذه الأمة ساحتها ليلتحق بمن سبقه إلى جوار ربه، من العظماء والأغرار والميامين. صفحة مشرقة من تاريخ العرب والمسلمين تطوى اليوم لتكون مفخرة ومرجعاً لكل الساعين بصدق لنيل رضا رب العالمين، ولكل العاملين بشرف من أجل وطن أفضل. مسيرة إيمانية لقائد مؤمن صدق الله ما عاهد عليه، توقفت لتترك لمن عاصره من الأجيال ولمن سيأتي بعده إرثاً قيماً من الأعمال والأفعال والأقوال والمواقف، ليعودوا إليه ليعرفوا كيف يمكن للصمت أن يكون معبراً وكيف يمكن للفعل أن يكون صارماً وكيف يمكن للقول أن يكون بلسماً. رحلة من العطاء اللامحدود لقائد حكيم تنعطف فجأة وتتخذ منحى إلهيا فتترك القوم مودعة، ومع الوداع وفاء، وفي الوصية حب الله وحب لعباده المؤمنين. تاريخ مجيد من تاريخ هذه الأمة تختتم اليوم بحروف من الوفاء صنعت توقيعاً أخيراً على كلمة وداع أخيرة من قائد حمل الأمانة بصدق لشعب أحبه بصدق ولأمة أحبته وقدرته وعرفت معه طريقاً آخر لترجمة الصدق في الأفعال، وكفكفة الدمع في الأحزان، ولبلسمة الجراح في الأزمات والمحن. أمانة جديدة تنتقل اليوم بكل اطمئنان إلى الخالق عز وجل، وأمانة أخرى تنتقل اليوم بكل سلاسة إلى عباده الميامين. وما بين الأمانتين نسأل المولى تعالى الرحمة لملك عظيم رحل، ونسأله العون لملك عظيم أقبل. وما بين وفاؤنا للسلف وحبنا للخلف، نسلم أمرنا لله تعالى ولقضاء الله وقدره ونقول: {إنا لله وإنا إليه راجعون}.