نام الملك فهد يرحمه الله نومته الأخيرة، نام قرير العين بعد أن ترك لنا إرثا عظيما، ووطنا ذا مكانة عالية بين سائر الأوطان. تابع بناءه بكل جهد وإخلاص، وبنظرته الثاقبة الحكيمة وبحكمته التي قلما نجدها في كثير من الرجال. نام الملك فهد قرير العين، بعد أن قاد سفينتنا السعودية وسط أعتى الأعاصير، وكانت الزوابع أكبر من أن يحتملها أحد، لكنه قاد السفينة بكل جهد وإخلاص، وهاهو الربان يستريح بعد عناء السفر الطويل، عناء الرحلة العظيمة. مات الملك فهد رحمه الله بعد أن هزم الموت، هزم الموت بأفعاله التي قلما تجتمع في رجل واحد، فهو في ميدان السياسة سياسي محنك، وفي ميدان البناء بانٍ شهدت بلادنا في عهده تطورات لاتخطئها الأعين، هزم الموت بحكمة المبرز البارع، فلقد أخذه الموت جسدا، ولكنه لم ولن يستطيع أن يمحو ذكراه من الأنفس التي طالما اشتاقت إليه وهو بطلعته البهية- رحمه الله- إما مفتتحا لمشروع، أو يسوق خبرا مامفرحا. مات الملك العظيم كما يموت العظماء، مات مهندس الوفاق اللبناني، وموسع الحرمين الشريفين، الملك الذي أعاد الفرحة لأهل الكويت بعد أن داهمتهم يدالغدر مات أول وزير للعلم والعلماء في بلادنا. لقد كان قدرنا في تلك الإحن أن يقيض الله لبلادنا هذا الملك الجليل- رحمه الله وأسكنه الجنان - بحيث خرج بنا وببلادنا من كافة المحن والقلاقل التي كانت تترقب البلاد خرج بها كأحسن ماتكون وعادت أقوى من قبل وأكثر من ذي قبل، ثقلا واحتراما لدى سائر العالم، وكانت البلاد في عهده منارة للأمن والطمأنينة، في الوقت الذي عانت كثير من البلدان مشاكل شتى. وخلال فترة توليه رحمه الله تعالى الحكم بل وقبل ذلك، كانت عينه الثاقبة تنظر ببعد لكل شاردة وواردة تهم أمر دينه ووطنه الذي حصنه بالعلم وبالمعرفة، والتفت رحمه لشؤون بلادنا فلم يدخر جهدا في سبيل الإصلاح والتنظيم، بحيث سيجد سلفه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله كل سبل النجاح في مهمته الجديدة، لأن الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله حفظ أمن البلاد، وطورها فوصل ببلادنا إلى درجة عالية من الرقي والتقدم والازدهار. مات الملك الجليل، وكل نفس ذائقة الموت، لكن عزاءنا في إرثه الخالد،وذكراه الخالدة. وفي أسرته الكريمة وفي شعبه الأبي الطيب لقد أخذ الله وديعته، فلله ما أعطى ولله ما أخذ: وما المال والأهلون إلا وديعة ولابد يوما أن ترد الودائع إن الفهد لم يمت! فإن من بنا وأرسى البنيان وهذّب النفوس، لم يمت فهو باق بأفعاله الحية في الذاكرة. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنان إن لله وإنا إليه راجعون.