أعي جيّدا لماذا بكيت بكاءً داخلياً ممزوجاً بالحنين لهذا الملك الراحل وأنا أسمع نعي الديوان الملكي بصوت وزير الإعلام الأستاذ إياد مدني وكيف احتبس صوته وتحشرج وذرف دمعة وهو يلقي النعي لشعبنا ،يبكيه بصوت الوزير المسؤول وانا ابكيه بصوت المواطن الذي أحبّ هذا الأب الملك الذي عاش معنا أكثر من ربع قرن ، يحبنا ونحبه يغمرنا بعطفه وننثني عليه حباً وطواعية، نحب هذا الملك لأنه أحبنا وأحبّ بلادنا أرضاً وشعباً ،أحب بلادنا تضاريس وناساً ،فكما بكى وزير الإعلام واحتبس صوته فإن شعبنا بكى مليكه بنهر من حنين . وبرحيل الملك فهد طيّب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته نودّع مرحلة عمرية وتاريخية من حياة دولتنا الكبيرة.. والملك فهد يرحمه الله ارتبط مع هذا الجيل برابط عاطفي وتنموية عامر فقد عاش جيلي مع ولايته لحكم البلاد ونحن على مقاعد الدراسة الجامعية وكان في دواخلنا حلم كبير لخدمة هذا الوطن عندما نتخرج ونحصل على الشهادة الجامعية كان هناك نوع من الأمل فالوظائف كانت تمنحك الخيارات والتعليم العالي يفتح أبوابه للبعثات الخارجية وصندوق التنمية العقاري يعجّل في قروضه، والملك فهد يغدق علينا بالمكرمة الملكية بين الحين والآخر منذ أن كنا نصطف في طوابير أمام محاسب الجامعة لنحصل على مكافأة مضاعفة من الملك فهد واستمر بالمكرمة حتى بعد التخرج والتحقنا بالوظائف لنحصل على مكافأة التعيين (50000) خمسون ألف ريال لكل موظف جديد على الخدمة. واستمرت عطاءات الملك فهد والمكرمة الملكية ليس لأن هناك خلل في التخطيط إنما كانت مقصودة من الملك فهد لشعبه ليوجد اللحمة والترابط وليؤكد قربه من هذا الشعب.. ويدرك ذلك الكثير من الموظفين عندما تُمدّد أيام الإجازة أو تختصر أيام الدراسة في رمضان لصالح الطلاب وأولياء الأمور ، وكان الملك فهد يقوم بهذا الواجب الوطني ليبني الروابط بينه وبين شعبه محبة لهذه الأرض ومحبة لهذا الشعب العريق.. كان يرحمه الله يحمل هموم وطنه محبة وانتماءً حتى تكالبت الأحداث العالمية من حرب العراق وإيران التي استمرت 10 سنوات والحرب اللبنانية الأهلية حتى المصالحة الوطنية والاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان ، وأخيراً -وهي الأزمة الكارثية- غزو العراق للكويت وحرب العراق الأخيرة.. هذه الكوارث التي كانت تدور على حدودنا الشمالية والشرقية أجهدت قلب ملكنا وعمّقت حزنه. جيلي ممن كان على مقاعد الدراسة الجامعية في بداية ولاية الملك فهد عاش معه محبة وولاءً سيبكيه هذا الجيل بكاءً طويلاً وسوف يحزن عليه مراراً لأنه الأب والقائد والملك الذي فتح عين هذا الجيل على خيره وخططه وطموحه وما حققه لهذا الجيل من فرص الوظائف وفتح له باب الاستقرار الأسري بتسريع قروض صندوق التنمية العقاري وساهم في رفع مستوى الأداء التعليمي والتقني بفتح باب الابتعاث إلى أمريكا وأوروبا.. سيبكي هذا الجيل ملكه الذي عاش معه لأكثر من ربع قرن منذ أن تفتّحت عيون هذا الجيل على هذه الدنيا والملك يرعاه ويعمل من أجله فلا غرابة أن ندخل في مرارة الحزن ونذرف الدموع على من عمل لأجلنا وشاركنا أفراحنا وأحزاننا ودفع حياته من أجل دينه ووطنه وشعبه رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه جنات النعيم وأن يجعل الله في الملك عبدالله وولي عهده الأمير سلطان الخير الكثير لديننا وأمتنا وشعبنا العظيم. [email protected]