لا أدري أين قرأت، أو سمعت، حكاية تقول: إن بعض خبراء الارصاد الجوية في بلد عربي ظلوا يبحثون عن موقع استراتيجي، ومناسب، تتوفر فيه الشروط الجغرافية، والمناخية، لنصب مرصدهم، وقد استمروا في بحثهم حتى عثروا على موقع مناسب وجدوه هو الأفضل..!! وهو عبارة عن سطح أحد البيوت الريفية، وجاؤوا إلى صاحبه، واسمه أبو عبوش وكان فلاحاً، ولديه حمار مربوط أمام بيته، يستخدمه في ذهابه، وإيابه، لأن المنطقة جبلية وصعبة المسالك، ولا تصل إليها السيارة.. وتفاوضوا معه حول نصب مرصدهم فوق سطح بيته فوافق مقابل أجر اتفقوا عليه.. وقد استطابوا المكان والجلوس في السطح، وأخذوا يراقبون الأحوال الجوية، ويبعثون بها إلى الجهة المعنية.. وذات يوم، وبينما كانوا نياماً فاجأهم «أبو العور» وأيقظهم من نومهم، وطلب منهم الهبوط بسرعة إلى إحدى غرف المنزل ليناموا فيها، وأن يجمعوا أثاثهم معهم..!! فاستغربوا طلبه هذا وقالوا: لماذا..؟ فقال لهم لأن عاصفة من المطر قادمة، وأنها شديدة، وسوف تعصف بكل شيء فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: لا شك أن خللاً قد أصابه..!! ولم يعبأوا بقوله، وظلوا في فرشهم وعادوا يغطون في نومهم.. لكنهم بعد ساعة أو ساعتين، استيقظوا على رعد، وبرق، ومطر ينهمر بشدة، وعنف..!! وفزعوا، وتراكضوا، وقد غرقت ملابسهم، وهم مذهولون مستغوبون، متعجبون.. كانوا يتعجبون من هطول المطر وهوله، في غير وقته، ومن إنذار الرجل لهم قبل هبوب العاصفة الممطرة، ومن عدم ظهور أي دليل على قدومها من خلال مرصدهم.. هبطوا إلى الغرفة حيث أوقد لهم ناراً يستدفئون حولها.. ثم إنهم تحلقوا على الرجل، وأخذوا يمطرونه بالأسئلة وقالوا: كيف عرفت..؟ وأين درست علم الأجواء، والأنواء؟ وعلى من تعلمت؟! نظر إليهم وهو يضحك وقال: وهو يشير إلى حماره من هذا..!! فقالو: ماذا..؟ قال نعم من هذا الحمار المربوط أمام الباب.. فإن من عادة حماري العزيز إنه يقف دائماً في اتجاه الشمال، أو الجنوب، أو الشرق هذا هو طبعه، وديدنه، أما إذا اتجه إلى الغرب وقد رفع أذنيه فهذا يعني أن عاصفة من المطر، والبرد، والبرق، والرعد قادمة.. ولما رأيته واقفاً نحو الغرب، وقد رفع أذنيه أنذرتكم، ونصحتكم فلم تستمعوا إلى إنذاري، ونصحي..!! خرجوا وهم يتفرسون في الحمار وينظرون إليه في حيرة، واستغراب وعجب، ثم إنهم عرضوا على «أبو عبوش» أن يشتروا منه الحمار بأي ثمن يريد لكنه رفض بإصرار.. فقال له كبير مهندسي المرصد إنني مستعد أن أعطيك اثنين أو ثلاثة من هؤلاء العاملين ليكونوا تحت إشارتك، ويعملون معك على أن تعطيني الحمار.. اقترب «أبو عبوش» وربت على ظهر حماره، وقال ولكن الحمار يا سيدي لن يقبل بذلك.. ما تأملت، وتابعت، وسمعت، وقرأت، ورأيت أجواءنا، ومناخاتنا، وطقوسنا وأنواءنا السياسية العربية إلا تذكرت السيد «أبو عبوش» وحماره...!!