لقد كانت وما زالت وزارة الحرس الوطني تمارس دوراً ريادياً في تأصيل الثقافة الوطنية والحفاظ عليها من خلال الاستحضار الواعي لمكونات تراثنا الثقافي الضارب بجذوره في أعماق التاريخ وتعريف الاجيال به. إن وزارة الحرس الوطني لم تكن مجرد مؤسسة عسكرية متطورة فقط بل هي مؤسسة حضارية شاملة ومتعددة الاهتمامات والأنشطة التي تمس تنمية ابن الوطن ورعايته ومن ذلك الجانب الثقافي، وما مهرجان الجنادرية الثقافي السنوي إلا أحد نتاجاتها الثقافية المتميزة الذي يحق لنا الافتخار بها فقد جمعت وزارة الحرس الوطني بين حماية أمن الوطن وبين حماية تراثنا الثقافي وصيانته حينما أهملت ذلك الكثير من المراكز الثقافية التي اكتفت بدور المتفرج وما زالت لا تتحمل مسؤوليتها في صيانة تراثنا الثقافي. فمهرجان الجنادرية الثقافي فكرة مضيئة وسباقة رعاها ونماها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز (حفظه الله) يوم كان على رأس الحرس الوطني منذ قيام المهرجان عام 1405ه ويحظى مهرجان الجنادرية اليوم بالاهتمام والرعاية من لدن صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني وبمتابعة مباشرة من معالي عبدالمحسن التويجري نائب وزير الحرس الوطني. وتبرز أهم أهداف مهرجان الجنادرية التي يسعى إلى تحقيقها في التأكيد على القيم الدينية والاجتماعية لاسترجاع العادات والتقاليد الحميدة والحث على الاهتمام بالتراث الشعبي ورعايته وصقله والتعهد بحفظه من الضياع وحمايته من الإهمال، والعمل على التعريف بالموروث الشعبي وإعطاء صورة حية عن الماضي بكل معانيه الثقافية والفنية. فالمتابع لمهرجان الجنادرية منذ بدايته وحتى اليوم يجد أنه نجح في تحقيق أهدافه وكذلك حقق نتاج فكري ثقافي ضخم في كمه ونوعه من الأمسيات والمحاضرات والندوات المتخصصة التي شارك فيها ودعي إليها نخب المفكرين والمثقفين من شتى أصقاع العالم وقدمت فيها البحوث والدراسات المتخصصة، وساهم في إبراز تراثنا الثقافي المتميز بثرائه وتنوعه بما فيه من فنون وعادات وتقاليد وأساليب معيشة وحرف يدوية وصناعة تقليدية ورقصات وأهازيج..الخ، والأجمل أن هذا النتاج تم توثيقه وتصنيفه وحفظه لدى وزارة الحرس الوطني مشكلاً بذلك مكتبة ثقافية ضخمة مما يجعلنا نؤكد وبكل فخر أن الحرس الوطني قد سبق الهيئات والمراكز الثقافية في كثير من الدول قبل أن تحرز هذه الدول تقدماً في إبراز مكوناتها الثقافية من خلال عقد الاتفاقيات مع منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة"اليونسكو" لتصنيفها ضمن لائحة التراث الثقافي العالمي. ومن هذا المنطلق ولكي نحافظ على هذا الإنجاز والدور الريادي وحتى يكتمل العقد في صون تراثنا الثقافي فإننا نتطلع إلى أن تسعى وزارة الحرس الوطني ممثلة في مهرجان الجنادرية إلى الاتفاق مع منظمة اليونسكو لإدراج تراثنا الثقافي في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي للبشرية، حيث نجد هيئة السياحة والآثار قد اهتمت بالتراث المادي من مواقع أثرية وتراثية وهذا ضمن تخصصها ولكننا نجد أنه أهمل التراث غير المادي! وحتى نميز بين المادي وغير المادي فإنه يقصد بالتراث غير المادي في منظمة اليونسكو"الممارسات والتمثلات والتعابير والمعارف والمهارات وكذا الآلات والأدوات والأشياء الاصطناعية والفضاءات الثقافية المرتبطة بها والتي تعترف بها الجماعات والمجموعات باعتبارها جزءاً من تراثهم الثقافي وهذا التراث الثقافي اللامادي ينتقل من جيل إلى جيل ويقع بعثه من جديد من قبل الجماعات والمجموعات طبقاً لبيئتهم وتفاعلهم مع الطبيعة ومع تاريخهم وهو يعطيهم الشعور بالهوية والاستمرارية بما يساهم في تطوير احترام التنوع الثقافي والإبداع الإنساني" فهذا التعريف يتفق مضمونه مع مضمون وأهداف مهرجان الجنادرية فلماذا لا نبادر إلى ذلك؟! ولنا مثال في هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة التي نجحت عام 2012م في إدراج (التغرودة) كتراث إنساني حي في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية. فنحن نتطلع إلى أن نرى مكونات تراثنا الغني بتنوعه وقد أدرجت على القائمة التمثيلية لليونسكو من العرضات بأنواعها والسامري والمحاورات الشعرية ورقصة المزمار والدحة والربابة وأهازيج المزارعين عند الحصاد وعند الآبار وسباق الهجن وحداء الرعاة والعادات والتقاليد والحرف والصناعات وفنون العيش والممارسات المرتبطة بحياة الأجداد والتي جميعها تحافظ على هويتنا الوطنية وتنقلها من جيل إلى جيل بما تتضمنه من قيم ودلالات اجتماعية وتاريخية. وجميعها قد جمعتها الجنادرية في مكان واحد وفي فترة زمنية محددة وتملك أرشيفاً تاريخياً علمياً عنها مما يسهل من عملية تصنيفها وإدراجها على القائمة التمثيلية للتراث لثقافي غير المادي للبشرية.