بقدر ما أسعدني إدراج منظمة اليونسكو (التغرودة) الإماراتية وفن (العازي) العماني في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية خلال اجتماع اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي للبشرية في باريس قبل أيام بقدر ما أثار أشجاني حول مصير تراثنا غير المادي الذي لا نشاهد أي بوادر حقيقية من الجهات الرسمية للاهتمام به وتوثيقه مقارنة بأشقائنا الذين سعوا سعياً حثيثاً لإدراج تراثهم في قائمة التراث الإنساني العالمي بسبب وعيهم بأهمية عولمة التراث الوطني وتوثيقه تعميقاً للهوية وترسيخاً للانتماء. ويقصد بعبارة (التراث الثقافي غير المادي) حسب تعريف اليونسكو الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات - وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية - التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحيانا الأفراد، جزءاً من تراثهم الثقافي. وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلا عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز من ثم احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية. ويتجلى التراث الثقافي غير المادي بصفة خاصة في مجالات عديدة منها: التقاليد وأشكال التعبير الشفهي، الفنون وتقاليد أداء العروض، الممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات، المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية. وفي بلادنا ذات العمق التاريخي والتمدد الجغرافي الذي يشمل معظم أراضي شبه الجزيرة العربية من الثراء العدد والنوعي في مجالات التراث الثقافي غير المادي ما يفوق كثيرا من الدول على مستوى العالم ولكن تراثنا كما أردد دائماً ما زال يتيماً يبحث عمن يكفله ويحسن إليه. فاللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي وهي هيئة تنفيذية مكلفة بتطبيق اتفاقية اليونسكو الخاصة بالحفاظ على التراث الثقافي غير المادي تجتمع كل عام، لتقييم العناصر المرشحة حسب المعايير المعتمدة لذلك، ولتقرر في مسألة إدراج الممارسات والتعابير الثقافية من التراث غير المادي المقترحة من قبل الدول الأطراف في اتفاقية عام 2003م والسعودية إحدى الدول الموقعة على هذه الاتفاقية، وهناك قائمتان الأولى قائمة التراث العالمي غير المادي، الذي يحتاج إلى صون عاجل، ويتكون من عناصر من التراث غير المادي تعتبرها الجماعات المعنية والدول الأطراف بأنها بحاجة إلى تدابير طارئة للصون حتى يبقى إيصالها إلى الأجيال اللاحقة أمرا ممكناً. يساهم الإدراج على هذه القائمة في حشد التعاون والدعم الدوليين اللذين يتيحان إلى الأطراف المعنية القيام بتدابير الصون الملائمة. والثانية هي القائمة التمثيلية للتراث الثقافي العالمي للإنسانية وتتكون من العناصر والتعابير التي تكون دليلاً على تنوع التراث غير المادي، كما تسلط الضوء على أهمية هذا التنوع في الوقت نفسه. والمتأمل في القائمتين في موقع اليونسكو لن يجد اسماً للمملكة العربية السعودية إلا في مجال تربية الصقور ضمن عدد كبير من الدول تمارس فيها هذه الهواية وتعتبرها من تراثها وتتساوى فيها السعودية مع بلجيكا وكوريا وغيرها!! بل سيتفاجأ بسعي جميع الدول الموقعة على الاتفاقية التي بلغ عددها 148 دولة إلى حماية تراثها من خلال إدراجه في تلك القوائم تكريساً لهويتها التي تفخر بها بدون شك. فمن المسؤول عن تجاهل تراثنا غير المادي؟! إننا أحوج من غيرنا إلى الاهتمام بإدراج تراثنا في قوائم اليونسكو بسبب هذا الإهمال الواضح؟! وما الذي يمنعنا على الأقل من أن نحتذي بالأشقاء في الخليج ونبادر إلى توثيق العرضة والدحة والسامري والهجيني والحداء وشعر المحاورة وغيرها كالحرف التقليدية والصناعات المحلية وبعض التقاليد والاحتفالات الخاصة بنا في المنظمات الدولية لحمايتها من الاندثار طالما أن الجهات الرسمية ليس لديها أي استعداد في بذل الجهد لخدمة هذا التراث الذي يشكل نسيج الهوية والانتماء ويمثل رافد الثقافة والتاريخ ؟!