مما لا شك فيه أن المنطقة العربية تتعرض لهجمة وتكالب من قبل أطراف عديدة تجمعها مصلحة مشتركة عمادها الولاء والبراء للصهوينية العالمية التي أمسكت بتلابيب الدول الغربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وذلك من خلال التحكم والاستحواذ على مقدرات تلك الدول، حيث تمكنت من التغلغل إلى مراكز اتخاذ القرار والتأثير فيه، بل توجيهه، فلا أحد يستطيع الوصول إلى أي مركز قيادي سياسي أو اقتصادي إلا بمباركتها حتى وإن كان ذلك من خلال صناديق الاقتراع، وقد مكن الصهاينة من ذلك امتلاكهم المال ومؤسساته، والإعلام والسيطرة على مراكز الدراسات الاستراتيجية والمخابرات وأجهزة الأمن وتكوين اللوبيات ذات الأذرع الطويلة داخلياً وخارجياً، هذا وقد ساعدهم على تحقيق ذلك قدرتهم الهائلة على التنظيم والتفوق في التعليم، وحملهم ومساعدتهم لبعضهم البعض حتى أصبح اليهود على الرغم من قلتهم التي لا تزيد على (2٪) من مجمل سكان أمريكا هم أصحاب القرار السياسي والعسكري والاقتصادي هناك، ولا أدل على ذلك من أنه لا يمكن أن يصل أحد إلى سدة الحكم هناك إلا إذا كان ممن يوالي إسرائيل، ويدللها ويدعمها بكل الوسائل والطرق حتى ولو كان ذلك على حساب دافع الضرائب الأمريكي، بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة من أعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ منهم والباقي موالون لهم ولا يستطيعون الخروج عن طاعة اللوبي الصهيوني هناك. نعم إن يهود الشتات، إن صح التعبير، يقدمون خدمات جليلة لإسرائيل في جميع دول الغرب دون استثناء، فهم متغلغلون في جميع الأوساط وولاؤهم لإسرائيل أكثر من ولائهم للدول التي يعيشون فيها ويحملون جنسيتها وينعمون بخيراتها. إن الهجمة الصهيونية على منطقتنا العربية التي سموها الشرق الأوسط حتى تزرع وتنشأ إسرائيل فيها دون غضاضة قد بدأت منذ مؤتمر بازل (1897م) وكان أول إرهاصاتها تقسيم العالم العربي إلى عدد من الدول بعد احتلاله واستعماره من قبل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وثاني الارهاصات وعد بلفور (1917م) والذي وعدت بريطانيا بموجبه منح فلسطين لليهود لإقامة دولتهم إسرائيل على أنقاضها، وثالث الارهاصات تحقق الوعد وقيام دولة إسرائيل عام (1948م).. ومنذ قيام دولة إسرائيل وهي تسعى إلى تحقيق الحلم الذي تبلور في مؤتمر بازل الآنف الذكر والذي يتمثل في دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، والذي بكل تأكيد قد تم توسيعه سراً ليشمل الخليج العربي بعد أن أصبح ذا أهمية كبرى لما يحتضنه من احتياطيات بترولية، ولأنه منفذ استراتيجي مهم نحو الشرق، أما رابعاً فهو يتمثل في أن تعمل إسرائيل على بناء مؤسساتها وبناء قوتها العسكرية والاقتصادية وفي نفس الوقت العمل بكل الوسائل والطرق بالتعاون مع حلفائها على إشغال العرب بأنفسهم من خلال الحروب والانقلابات واجهاض أي توجه أو حراك تنموي أو تطويري، وقد تمثل ذلك بافتعال الحروب بصورة دورية كل عشر سنوات أو أقل، فبعد حرب احتلال فلسطين عام (1948م) جاء الاعتداء الثلاثي على مصر (1956م) ثم نشبت حرب اليمن (1962 - 1967م) بعد ذلك جاءت نكسة (1967م) ثم حرب أكتوبر (1973م)، وقد رافق تلك الفترة مجموعة كبيرة من الانقلابات العسكرية في مصر والعراق وسورية وليبيا والسودان واليمن وغيرها، تلا ذلك الحروب على جنوب لبنان (1978 - 2000م) بهدف القضاء على المنظمات الفلسطينية بما في ذلك حرب ايلول الأسود (1970) في الأردن. ثم جاءت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران (1980-1989) وحرب الخليج الثانية حرب تحرير الكويت (1991) ثم حصار العراق (1991 - 2003م) الذي تخلله عدد من الضربات والذي انتهى بحرب احتلال العراق حرب الخليج الثالثة (2003م) والمسرح يعد الآن لحرب الخليج الرابعة، هذا بالإضافة إلى حرب جنوب لبنان (2006م) وحروب غزة وحصارها (2008 - 2013م) واستمرار احتلال الضفة الغربية، كما رافق تلك الأحداث الحرب الأهلية في السودان التي توجت باستقلال الجنوب والإعداد لاستقلال دارفور، والأمر نفسه حدث في العراق قبل احتلاله حيث كان يعاني من النزعة الاستقلالية للأكراد، أما الآن فقد وصلنا إلى مرحلة الربيع العربي الذي لا زال خريفاً تساقطت خلاله مجموعة من الأوراق الجافة واشتعلت الأغصان ولا زال الحريق ينفث كثيراً من الدخان في كل من سورية وليبيا واليمن ومصر والسودان والعراق، ناهيك عن عدم استقرار لبنان. نعم إن اللوم لا يقع على من يحاول حماية مصالحه أو يتآمر في سبيل تحقيق ذلك، ولكن اللوم يقع على من لا يدافع عن نفسه، ويترك نفسه لكل أفاك، فالعرب ظلوا في خصام مع أنفسهم واستعملوا فلسطين كقميص عثمان، تعاونهم ارتجالي وتخوفهم من بعضهم حقيقي، ناهيك عن أنهم لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، ذلك أن جميع الكوارث التي تحل بهم يسبق التلميح أو التصريح بها، إما على شكل رواية أو فيلم أو خريطة أو توجه وذلك مثل: * وعد بلفور (1917م) كان صريحاً وواضحاً وقد تم تنفيذه على مراحل توجت بقيام إسرائيل عام (1948م). * اعتراف الرئيس السادات بإسرائيل وتوقيع معاهدة كامب ديفيد جاءت على شكل فيلم اسمه الرجل القادم (The next man) قبل أن يقوم السادات بتحقيقها على أرض الواقع بأربع سنوات حتى إن الخاتمة كانت متشابهة. * حروب الخليج بما في ذلك حرب الخليج الرابعة التي يخطط لها نشرت بالتفصيل على شكل رواية عام (1979م) تحت عنوان كارثة (1979م) (Crash of 79). * أحداث الربيع العربي ثم التبشير بها من خلال استراتيجيتيْ الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة والتي تعتبر مقدمة لتقسيم المقسم إلى كانتونات صغيرة على أساس طائفي وعرقي. * قبل ذلك بكثير أي عام (1991م) خلال حرب الخليج الثانية نشرت مجلة الجيش الأمريكي خريطة لما سوف يؤول إليه الشرق الأوسط خلال عقد أو عقدين أو أقل من الزمن بحيث يصبح شرقاً أوسطياً جديداً نتيجة الفوضى المدمرة التي تجتاحه والتي نسمع ونشاهد إرهاصاتها. هذه أمثلة بعض ما كتب أو نشر أو أعلن وما خفي كان أعظم، هذا وقد تم تعزيز ذلك بظهور الإرهاب كظاهرة ألصقت ظلماً وبهتاناً بالعرب والمسلمين وذلك لتشويههم وإعداد الرأى العام ضدهم وما زال السيناريو مستمراً منذ ما قبل أحداث (11) سبتمبر (2001م) وحتى الآن. * الآن تأتي الأزمة الاقتصادية العالمية كواحدة من الأزمات التي ينتابها كثير من الشكوك من حيث الأسباب والنتائج والانعكاسات، خصوصاً أن الأزمات الاقتصادية الحادة تحل أحياناً من خلال الحروب أو تفتعل من أجل ذلك. * إثارة النعرة الطائفية وتوظيف الفضائيات ووسائل الاقتصاد الأخرى للشحن والتحزب والاستقطاب مع غض الطرف عن الحراك الإيراني التسليحي من جهة وتصدير الثورة من جهة أخرى عبر إنشاء لوبيات وأحزاب ومناطق ولاء طائفي لها في سورية ولبنان واليمن والصومال والعمل على استقطاب موالين لها من دول الخليج مصحوباً بأطماع وتطلعات إيرانية ليست خافية على أحد ناهيك عما تم زرعه من أحقاد خلال العقود الماضية.. كل ذلك يحتاج فهم أن إيران لا تتحرك وحدها بل هناك من يقف خلفها ويخطط معها وعلى مر التاريخ كانت المصالح تجمع الفرقاء ومع كل هذا ما زال العرب منقسمين على جميع المستويات يديرون شؤونهم على أساس يوم بيوم على قاعدة «غداً بظهر الغيب واليوم لي» فالقرار فردي ومراكز الدراسات الاستراتيجية معدومة والشك موجود والثقة قليلة (وذلك لأن التجربة مريرة) والمجاملة حاضرة والحقيقة مغيبة، ولذلك أصبح العرب مطمعاً ومضحكة «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم». هذا مع العلم أنهم يملكون أفضل موقع استراتيجي على مستوى العالم، ويملكون ثروات مادية وبشرية غير محدودة، لو فعّلت لأصبح العرب أقوى أمة على وجه الأرض. نعم، إنهم كثر ولكنهم لا زالوا غثاء كغثاء السيل وكالزبد الذي يذهب جفاءً، بينما غيرهم يملك ما ينفع الناس.. هدى الله أمة العرب والإسلام إلى الطريق المستقيم ووحد كلمتهم وجهودهم في سبيل حماية كيانهم قبل أن تشتته رياح الفوضى والاضطراب والاطماع، فقد تكالبت عليهم الأمم.. والله المستعان.