محافظ هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية يرفع التهنئة للقيادة    "الرياض" ضيف شرف معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    وزير التعليم يرفع التهنئة للقيادة بما تحقق من منجزات تعليمية    وزارة التعليم تستعرض منصاتها في معرض تونس الدولي للكتاب 2025    بيان مشترك لوزير المالية ومدير عام صندوق النقد الدولي ورئيس مجموعة البنك الدولي بشأن سوريا    أبها تتغطى بغطاءها البنفسجي    مواقع أجنبية: الهلال يبعث برسالة تهديد لرونالدو    وزير الصحة: تطبيق نموذج الرعاية الصحية الحديث أسهم في رفع متوسط عمر الإنسان في المملكة إلى 78.8 عامًا    تركي بن محمد بن فهد يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة ما تحقق من إنجازات في مسيرة رؤية المملكة 2030 بعامها التاسع    ريال مدريد ينتقد اختيار الحكم الذي سيدير نهائي كأس إسبانيا    للمرة الثالثة على التوالي ..الخليج بطلاً لممتاز كبار اليد    بيراميدز يحقق ما عجز عنه الأهلي    زيلينسكي: أوكرانيا تريد ضمانات أمنية أمريكية كتلك التي تمنحها لإسرائيل    وزير "البيئة" يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة صدور التقرير السنوي لرؤية المملكة وما تضمنه من إنجازات    مجلس الأعمال السعودي - الأمريكي يستضيف فعالية تواصل استثمارية رفيعة المستوى    الرئيس التونسي يزور جناح جامعة نايف بمعرض تونس للكتاب ويشيد بجهودها في تعزيز الأمن العربي    «أماني» تحصد الدكتوراه برسالة متميزة    القبض على باكستانيين في المنطقة الشرقية لترويجهما «الشبو»    محمد العرفج يُفجع بوفاة والدته    الاتحاد السعودي للطيران الشراعي يُقيم معسكرًا لفئة النخبة    نائب أمير تبوك: رؤية المملكة 2030 حققت قفزات نوعية وإنجازات    موعد مباراة الهلال في نصف نهائي دوري أبطال آسيا للنخبة    أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة من منجزات في الأعوام التسعة الماضية    عام 2024 يُسرع خُطى الرؤية السعودية ويسجّل إنجازات استثنائية    بلدية محافظة ضرية تطرح 8 فرص استثمارية    ثانوية الأمير عبدالمحسن تحصد جائزة حمدان بن راشد    قطاع بارق الصحي يُنفّذ مبادرة "صحة الفم والأسنان"    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُقيم فعالية "متلازمة داون"    مستشفى أحد رفيدة يُنفّذ "اليوم العالمي للتوحد"    "عبيّة".. مركبة تحمل المجد والإسعاف في آنٍ واحد    مدرب الأهلي: جماهيرنا سندنا لتخطي بوريرام التايلندي    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    غدًا.. انطلاق أكبر فعالية مشي في المملكة «امش 30»    في الدمام ( حرفتنا حياة ) ضمن مبادرات عام الحرف اليدوية 2025    "حديث المكتبة" يستضيف مصطفى الفقي في أمسية فكرية عن مكتبة الإسكندرية    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    تنفيذ ورشة عمل لاستعراض الخطط التنفيذية للإدارات في جازان    بيولي: هدفنا الآسيوية وجاهزون ليوكوهاما    هيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية بجازان تستعرض مشروع زراعة أشجار الصندل في "أسبوع البيئة 2025"    مبادرة لرعاية المواهب السعودية في قطاع الجمال    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    مخاطر في الذكاء الاصطناعي    مملكة الخير والإنسانية    تقلص الجليد القطبي    خشونة الورك: الأسباب.. التشخيص.. العلاج.. الوقاية    اللواء الودعاني يدشّن مشاريع تطويرية لتعزيز قدرات حرس الحدود    رئيس نادي الثقافة والفنون بصبيا يكرّم رئيس بلدية المحافظة لتعاونه المثمر    محافظ صبيا يشيد بجهود رئيس مركز العالية ويكرمه بمناسبة انتهاء فترة عمله    محافظ صبيا يكرم رئيس مركز قوز الجعافرة بمناسبة انتهاء فترة عمله    بلدية صبيا تدعو للمشاركة في مسيرة المشي ضمن مبادرة #امش_30    ذكاء اصطناعي للكشف عن حسابات الأطفال في Instagram    بناءً على توجيهات ولي العهد..دعم توسعات جامعة الفيصل المستقبلية لتكون ضمن المشاريع الوطنية في الرياض    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    لبنان.. الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية 24 مايو    ملك الأردن يصل جدة    10 شهداء حرقًا ووفاة 40 % من مرضى الكلى.. والأونروا تحذّر.. الاحتلال يتوسع في جرائم إبادة غزة بالنار والمرض والجوع        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين أزمة الوعي الديمقراطي وفشل الإسلام السياسي
نشر في الرياض يوم 18 - 07 - 2013

ينطوي المشهد السياسي المصري الراهن على ثراء إشكالي متعدد الأبعاد، يختلط فيه المباشر باللاّمباشر، والظاهر المعلن بالخفي بالمستور، بل وتختلط الحقيقة فيه بالوهم من جهة، وبالتزييف المتعمد من جهة أخرى. وهذا ما جعله ميدانا خصبا قادرا على إثراء القراءات المتعددة، المتباينة في بواعثها وفي غاياتها، فضلا عن تباينها في آليات المقاربة التي لا بد وأن تتقاطع مع مسارات الإيديولوجيا ضرورة، على اختلاف - بطبيعة الحال - في هوية الإيديولوجيات المتصارعة على هذا المشهد الزاخر بما يرضي نهم المتأدلجين، سواء أكانوا من أقصى اليمن أم كانوا من أقصى اليسار.
نحن حين تستحوذ علينا وقائع المشهد المصري قرائيا، لا نعمد إلى الارتهان لها على طول امتداد لحظات المقاربة ؛ رغم أنها قد تبدو - من خلال القراءة الأولية / المباشرة - وكأنها نقطة الارتكاز، أي كأنها بداية الإشكال ونهايته، بينما نقطة الارتكاز الحقيقية كامنة في المفهوم / المصطلح العام، الذي تَمَفْصل الحدث الواقعي على حدوده المفاهيمية
إن هذا الثراء الإشكالي في وقائعية المشهد يغري بالقراءة التي تتجاوز حدود هذه الوقائعية المؤطرة زمانا ومكانا.
وبهذا لا يكون الإلحاح على المشهد المصري الراهن محصورا في حدوده، أي لا يكون هدفاً بذاته، بل بوصفه عينة مثالية تحتوي على كثير من إشكاليات الراهن العربي، بل والماضي العربي أيضا، وصولا إلى هموم المستقبل العربي المُستقيل!
من هنا، فنحن حين تستحوذ علينا وقائع المشهد المصري قرائيا، لا نعمد إلى الارتهان لها على طول امتداد لحظات المقاربة ؛ رغم أنها قد تبدو - من خلال القراءة الأولية / المباشرة - وكأنها نقطة الارتكاز، أي كأنها بداية الإشكال ونهايته، بينما نقطة الارتكاز الحقيقية كامنة في المفهوم / المصطلح العام، الذي تَمَفْصل الحدث الواقعي على حدوده المفاهيمية، فكانت إضاءته - كمحور وعي - أهم من مجموع الأحداث.
إننا لا نريد الارتهان إلى لحظات المقاربة ؛ لأنها مظنة تبدل الأدوار القرائية. إنها لحظات تصبح الوسائل (= الأمثلة الواقعية) فيها هي الهدف النهائي، بينما تتراجع الغايات (= النتائج النظرية القابلة للتعميم) إلى مستوى الشواهد العابرة التي تتوارى بمجرد تواري الأحداث المتوهجة عن مسرح الصراع.
هذا من ناحية مُبرّر الإلحاح على مقاربة المشهد السياسي المصري الراهن . أما من ناحية الموقف الذي يجب اتخاذه تجاه ما جرى ويجري في مصر الآن، ومحاولة بعضهم استشراف ميول الكاتب، وإلى أي طرف من أطراف الصراع ينحاز، أو محاولة ربط نتائج مقارباته التحليلية بخياراته الإيديولوجية، فإن الكاتب ليس سياسيا بالدرجة الأولى، أو لا يجوز أن يكون كذلك ؛ حتى وإن أمعن في الهمّ السياسي على مستوى التحليل.
في سياق التحليل الذي يتغيا الفهم، موقف الكاتب لا يهم، بقدر ما يهم مستوى ما يقدمه من الناحية العلمية (وتحديدا ؛ من حيث مصداقية الرصد الوقائعي، واتساقية المنطق التحليلي)، أي أن خياراته الوجدانية (مع أو ضد) ليست ذات مصداقية يمكن الرهان عليها، بينما النص التحليلي الذي ينتجه، والذي يمكن أن يخضع لاختبار المصداقية، ومن ثم يكون لموقفه (مع أو ضد) اعتبار على مستوى القراءة والتأويل، هو ما يمكن الرهان عليه في نهاية المطاف.
يقول الفيلسوف الهولندي العظيم : باروخ سبينوزا - في معرض تأكيده على الموضوعية العقلانية - : " علينا ألا نضحك، وألا نبكي، علينا أن نفهم ".
الفهم هو الهدف الأولي والنهائي لأية قراءة تتوسل العلمية أيا كان مجالها. ليس المهم أن تُحدّد موقفك، المُهم هو أن تَفْهم، وأن تَنجح في أن تُفْهِم (= تجعل الواقع أكثر قابلية للاستبصار عند أكبر شريحة من الناس).
ليس المهم أن نبتهج لهذا الطرف من أطراف الصراع أو نحزن لذاك الطرف، بل المهم أن نصل لمستوى مقبول من (الفهم ) لما جرى ويجري، وأن نعي تداعياته التي تتجاوز راهنية الأحداث إلى حيث التأثير على قضايا كبرى عابرة للأوطان، كما هي عابرة للأجيال .
إذا نظرنا إلى الحدث المصري الراهن من زاوية كونه انقلابا عسكريا على مسيرة ديمقراطية لا تزال في مرحلة التشكل، نكون قد غيبنا التفاصيل الأهم من المشهد، وعمّينا عليها، ومن ثم منحنا الشرعية للإخوان الذين يصرون على التشبث بهذه الشرعية الشكلية التي لا يملكون غيرها. ولكن، إذا نظرنا إلى الحدث من زاوية كونه استباقا لمسيرة (التمكين) التي كان الإخوان قد قطعوا أشواطها الأولى، نكون قد منحنا الشرعية للانقلاب العسكري الذي يرى أنه مجرد استجابة آنية وتلقائية لرغبة الجماهير.
وجهة النظر الإخوانية (ولا أقصد هنا الإخوان تحديدا، بل كل الذين يتبنون وجهات النظر المتعاطفة مع الإخوان) تريد أن تجعل من (واقعة الانقلاب العسكري) نقطة البداية والنهاية في مقاربة إشكاليات الصراع الدائر بين أنصار الرئيس المعزول وخصومه؛ لأنها تدرك أنها بتأطير الحدث الإشكالي تكسب الموقف سياسيا وفكريا. ولهذا السبب نجدها لا تريد أن تقرأ (واقعة الانقلاب) في سياق نسبي، يجعل ما حدث ليس انقلابا كاملا على شرعية كاملة، بل مجرد انقلاب محدود على شرعية محدودة، شرعية مهزوزة على أكثر من صعيد.
استحضار الوقائع والحيثيات المرتبطة بالحدث النتيجة (= الانقلاب) لا يعني التقليل من خطورة تداعيات الانقلاب على مسيرة الديمقراطية الوليدة، بل ولا تأثيره على مفهومها في الوعي العام. فالحقيقة التي تشهد بها التجارب المماثلة على امتداد التاريخ تحكي أن الديمقراطية التي ستأتي بعد الانقلاب لن تكون هي ديمقراطية ما قبل الانقلاب، إنها لن تكون - إن وصلت إلى آخر أشواطها - كما تم التنظير لها مدنيا، أي لن تكون ديمقراطية مدنية مكتملة الأركان، بل ستكون - في أحسن أحوالها - ديمقراطية منقوصة، ديمقراطية مٌوجّهة، ديمقراطية متعسكرة، حتى لو كانت جميع واجهات العرض أو الاستعراض مدنية بامتياز.
مَن ينظر إلى الأمر من هذه الزاوية لا بد أن يتفهم غضب الغاضبين من الانقلاب العسكري، ومن قَبلُ، لا بد أن يرى مشروعية قلق المراهنين على مسيرة الديمقراطية في أكبر وطن عربي، خاصة وأنه - في الوقت نفسه - أعرق وطن تتجذر فيه مقولات التنوير (والديمقراطية من قيمه المركزية)، فضلا عن كونه أكبر وطن يمتلك وسائط التأثير المعاصرة التي تجدها فيه شديدة الفاعلية، وخاصة في مجالي : الفن والإعلام .
لكن - واستكمالا لتَنْسِيب الرؤية - نقرر حقيقة أن هذا الغضب على الانقلاب، وهذا القلق من تداعياته، ينخفض مستوى توترهما عندما تتم معاينة الحدث من زاوية المستهدفين بالانقلاب (= الإخوان). فالإخوان ليسوا فصيلا سياسيا محايدا في موقفه من الديمقراطية أساسا (= الموقف النظري الفكري)، كما وأنه ليس بريئاً من إساءة استخدام استحقاقات الفوز بالانتخابات الرئاسية تحديدا، إضافة إلى أنه ليس عميقا في شرعيته (نسبة الأصوات التي حصل عليها بفارق ضئيل) ؛ كي يكون الانقلاب عليه انقلابا على شرعية راسخة الأركان.
ما الخطأ الكبير الذي يُبرّر الانقلاب على الإخوان؟ سؤال بقدر ما هو مُبرّر فهو مشحون بالاحتجاج العبثي؛ لأن الذين يبحثون عن حدث واحد، كبير ومفصلي، يمكن أن يدان به الإخوان، وأن يُبرر به الانقلاب العسكري عليهم، لن يجدوا ما يبحثون عنه، أو ما يحاجون به . الأخطاء الإخوانية الكبيرة لها طابع تراكمي، وهي مسبوقة، ومتبوعة، بوقائع وحيثيات تزيد من مفعوليتها السلبية في مستوى تقييم المسيرة الإخوانية في الحكم.
ومن هنا، فقبل أن نبحث عن الحدث المفصلي الذي شرّع للانقلاب على الإخوان، والذي لن نجده، لا بد أن نتمعن في الوقائع والحيثيات التالية :
1 تقدّم الإخوان إلى العملية الديمقراطية، ومن بعد ذلك وصلوا إلى الحكم في سياق إشكالي كبير، أي في سياق جدل كبير حول قناعة الإخوان (ومن ورائهم معظم تيارات الإسلاميوية) بالديمقراطية التي يتوسلونها اليوم . فمن المعروف أن تيارات الإسلام السياسي لا تؤمن بالديمقراطية أصلا (لأنها تعدها صورة من صور الاستعمار الفكري والقيمي)، وأنها لم تمارس العمل السياسي الديمقراطي إلا من خلال موقعها في المعارضة، كجزء من فقه الضرورات، على اعتبار أنها تمارس فيه محظورا تبيحه الضرورة (ضرورة درء المفاسد وجلب المصالح قدر المستطاع). فهي لم تمارس الديمقراطية - حتى وفق منطق الاضطرار الذي تتكئ عليه الآن - إلا بعد جدل فكري طويل (-راجع كتاب " الإسلاموقراطية " لغسان الخالد، وكتاب " التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية " لحيدر إبراهيم علي)، وقد مارسته - إذ مارسته - بوصفه الممكن الواقعي، وليس بوصفه خيارا من بين خيارات أخرى متاحة؛ لأن خيار الغلبة أو التمكين كان هو الخيار المطروح إسلامويا، وهو المشرعن لديها بقوة مشروعية السابقة التاريخية، وبقوة مشروعيته النظرية في التراث التقليدي.
هذا الموقف من الديمقراطية ليس سراً، بل هو معروف للجميع . وهنا، يكون طبيعيا أن تتلقى الأحزاب والقوى الفاعلة في المجتمع الذي يمارس فيه الإخوان فاعليتهم الديمقراطية، مشروعية فوزهم بشيء من الارتياب.
ليس متوقعا أن تبارك هذه القوى برحابة صدر لهذا الفائز الذي شب وشاب على سلوكيات الطاعة العمياء من جهة، وتثقف على أدبيات تكفير أو تحريم الديمقراطية من جهة أخرى. لا يمكن أن يتم تلقي هذا الفوز بنفس الحياد الذي يمكن أن يتلقاه به مَنْ يجهل موقف قوى الإسلام السياسي من الفلسفة الديمقراطية ككل (وهي المرفوضة منذ عشرينيات القرن العشرين وإلى الآن)، ومن العمل الديمقراطي (الذي بات مشروعا تحت بند : الضرورة، وفي المستوى الأدواتي فقط).
2 فوز الإخوان الذي نطقت به صناديق الاقتراع لم يكن فوزا حاسما، بل كان فوزا مهزوزا إلى حد كبير. فالمرشح الإخواني لم يحصل إلا على ربع الأصوات في الجولة الأولى. والذين اختاروه في الجولة الثانية لم يكن أمامهم خيار إلا هو أو مرشح النظام السابق. ومن هنا، ونتيجة لضآلة الفارق بينه وبين خصمه (كأنما فوزه كان شهادة رفض، إذ هو مرفوض - أو مقبول - كمرشح النظام السابق، ولكن بنسبة أقل رفضا أو أكثر قبولا، وهي نسبة في حدود 1% فقط !)، فمشروعيته كأنما هي مشروعية خاطفة، أو كأنما هي ضربة حظ عابرة. وكأي ضربة حظ في أي اقتراع، قد تنهي النزاع، ولكنها لا تمتلك قدرة كافية على الإقناع . وحتى ندرك أهمية الفارق في نسبة الفوز ؛ لنا أن نتخيل الرئيس الإخواني وقد حقق 80% مثلا . هنا سيتغير الموقف بلا شك، ولن يتم التعامل مع أخطاء الإخوان بهذه الحساسية الشديدة التي تعامل بها معهم محيط رافض لهم منذ البداية.
لقد أراد الإخوان التصرف بمطلق الحرية وكأنهم قد اكتسحوا الانتخابات بنسبة فوز استثنائية. أرادوا ممارسة الأخونة وتعزيز مسيرة التمكين دون أن تكون هناك أرضية شعبية كافية لممارسة مثل هذا الدور الاستحواذي. وبالمقارنة بين ظاهرتين : ظاهرة اكتساح الإسلاميين للثورة الإيرانية على يد الخميني الذي فرض سيطرته المطلقة بشعبية طاغية، وظاهرة محاولة الإخوان فرض سيطرة مماثلة، ولكن بشعبية لا تتجاوز 25%، ندرك أن الإخوان كانوا حالمين، إذ كانوا يُفكّرون خارج نطاق الممكن الواقعي . وتزداد ملامح الحماقة الإخوانية وضوحا إذا أضفنا إلى ذلك أن الخميني - الذي تمتع بشخصية كاريزمية استثنائية، لا يتوفر مرسي الإخوان حتى على ظلها الباهت - لم يتمكن من إقصاء خصومه وبسط نفوذ مناصريه بالكامل إلا بعد ثلاث سنوات من الثورة العارمة، اتضح لنا كيف أن الإخوان كانوا حمقى في عالم السياسة التي طالما تخيلوا أنفسهم فرسانها المُبرّزين.
إذن، قبل أن نناقش أخطاء الإخوان التي تراكمت على مدى عام كامل، بل وإلى ما قبل ذلك حيث الوعود الانتخابية، علينا أن نضع هاتين المسألتين (= الارتياب بموقفهم من الديمقراطية، ونسبة فوزهم الهزيلة التي جعلتهم - في أحسن الأحوال - في حالة تعادل مع مرشح نظام قامت الثورة ضده) في الاعتبار، وأن نعي أن كل خطأ إخواني لا يمر على وعي محايد، بل يمر عبر وسائط وعي متوتر بفعل مؤثرات الموقف الإشكالي من هاتين المسألتين اللتين تؤطران كل مناحي العلاقة بين الإخوان، وكل من هو ليس من صميم الإخوان.
لو أننا تأملنا أهم أخطاء الإخوان المتراكمة بفضل إصرارهم العنيد، والمتمثلة في : الكذب ونكثان العهد فيما يخص الانتخابات البرلمانية والرئاسية، الانقلاب على بعض قيادات الجيش في الشهر الثاني من تاريخ تسلم السلطة، إقصاء الحلفاء من السلفيين بعد فترة وجيزة، فضلا عن الإقصاء الكامل لبقية القوى السياسية، سياسة الأخونة واسعة النطاق، الارتهان إلى مكتب الإرشاد وظهور الرئيس بمظهر الرئيس الإخواني لا الرئيس المصري، منح الإرهابيين في سينا غطاء حماية من المطاردة، استباحة الأراضي المصرية لصالح حركة حماس الإرهابية، تقديم حماس كأولوية على حساب مصر، الاستهانة بالأمن القومي لحساب الأممية الإخوانية، السماح باستباحة السيادة المصرية وذلك بإعلان قوى التطرف الجهاد (= إعلان حرب) من على الأرض المصرية وكأن الدولة في حالة غياب تام، التقرب من الجماعات الإرهابية بتعيين بعض عناصرها الرئيسة في مفاصل السلطة، التضحية بالعلاقات الإقليمية ذات الأهمية الاستراتيجية لصالح العلاقة المشبوهة مع إيران، التسامح المريب مع قوى الإرهاب التي قامت باعتداءات متكررة على الجيش المصري، التسامح مع ممارسات التكفير العلني والتهديد الصريح بالإرهاب الذي استشرى على ألسنة قيادات التطرف الديني، الاستهانة بالقتل على الهوية الطائفية، بل والانحياز - ضمنيا - إلى القتلة كما في بعض التصريحات ...إلخ، وفي النهاية الفشل الذريع في تصريف الهموم المعيشية للمواطنين، إلى درجة تعرّض فيها الوطن المصري من أقصاه إلى أقصاه لما يشبه الشلل التام..
إننا لو تأملنا هذه الأخطاء لوجدناها كفيلة بأن تزيح - بفاعلية تراكمها - أشد الأحزاب رسوخا في مسيرة الفعل الديمقراطي، بل وأكثرها شعبية، فكيف وكل هذه الأخطاء قد تراكمت على سقف مشروعية إيمان مهزوز بقيم الديمقراطية نفسها، وعلى مشروعية شعبية ضئيلة لم تتوقف عن التضاؤل إلى أن قاربت شواطئ الإفلاس ؟!
هنا يكتمل المشهد المأساوي الذي يقع الانقلاب العسكري في نهايته، لا في بدايته. لم يكن من الممكن ترك الجماعة المتسامحة مع التطرف، بل ومع الإرهاب، والفاشلة فشلا تاما في إدارة الهم اليومي للمواطن، والعاجزة عجزا كاملا عن إدارة المشهد السياسي بكل تأزماته، تأخذ الوطن إلى الهاوية.
قد لا يكون الانقلاب هو الحل الأمثل، خاصة وأن الاعتقالات اللاحقة، ومصادرة الإعلام المعارض تسمه بميسم استبدادي يجعله يبدو في صورة انقلاب على مسيرة الديمقراطية بكل مكوناتها وليس مجرد انقلاب على الإخوان. وهذا بلا شك يقود إلى التفكير فيه بوصفه أكثر من تحرك إنقاذي لوقف عجلة التدهور الإخواني؛ ليكون إعلانا ضمنيا عن مشروع جنرالات يعكس مصالح طبقة كاملة، ما يعني أنها كطبقة نافذة لم ولن تتخلى عن مقاليد السلطة الفعلية إلا في أسوأ الأحوال، أو في أحسن الأحوال ..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.