بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي، غيرت وزارة الدفاع الأمريكية جذريا في عقيدتها العسكرية (Military Doctrine ) التي كانت تعتمد على المجابهة الاستباقية لحرب صواريخ إستراتيجية في بيئة عبر القارات. اعتمدت العقيدة العسكرية الأمريكية الحالية على افتراضات ظهور أعداء في المستقبل ضمن هيئات مختلفة من القدرة العسكرية والمواقع الجغرافية. وبالرغم من تقلص موازنة الدفاع الأمريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وإلغاء العديد من المشاريع الدفاعية كمبادرة حرب النجوم وبرغم الكساد الاقتصادي الذي مربه الاقتصاد الأمريكي في حقبة الثمانينيات، إلا أن موازنة الأبحاث والتطوير لم تتأثر وشهدت تطوير منظومات دفاعية متطورة وان لم تدخل مرحلة الإنتاج. رافق تلك المرحلة اهتمام بركن مهم من العقيدة العسكرية الأمريكية ألا وهو القدرة على كسب حربين متزامنتين في منطقتين مختلفتين على الكرة الأرضية. مطلع الألفية الجديدة شهد الأحداث المريبة المتمثلة بالهجوم على مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون بطائرات أمريكية مختطفة وما تلاها من أحداث سياسية شرعت للولايات المتحدة اختبار عقائدها العسكرية تلك ومنظوماتها الدفاعية الجديدة من خلال حربي احتلال في كل من أفغانستان والعراق، فهل كانت النتائج كما توقع القادة في البنتاجون والسياسيون في البيت الأبيض؟ تناثرت فلول طالبان في الأودية والجبال في أيام معدودة جراء القصف الجوي بالقنابل الضخمة المحمولة داخل قاذفات (ب - 52)، وفي العراق كان لمنظومات الأسلحة البرية الأمريكية المتطورة موعد مع العقيدة العسكرية الحديثة، فسقط النظام وسيق أركانه بذلة إلى السجون، ونجحت العقيدة الأمريكية بل وأصبحت هيئة الاستخبارات الأمريكية ولأول مرة في تأريخها تقوم بعمليات عسكرية داخل أراضي دول مستقلة ليست في حرب معلنة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية كباكستان واليمن. والآن وبعد مرور سنوات معدودة على هاتين الحربين هل توقع البنتاجون أو البيت الأبيض هذا المآل؟ خمسة عشر ألف عسكري أمريكي مصاب بعاهات مستديمة، أرقام غير معروفة للقتلى نظرا لوجود نسبة من المجندين حاملي بطاقات الهجرة وازدياد خطورة الأعداء من خلال تكيفهم مع ارض المعارك وتبني تكتيكات قتالية جديدة. وشهدت الأسابيع الماضية إسقاط طائرات أمريكية في العراق وأفغانستان برغم تترسها بمنظومات معقدة للدفاع الذاتي مما يعد مؤشرا على تغير نوعي في أسلحة الطرف الآخر وبداية تغير كفة الحرب وجرها إلى حرب استنزاف لا طاقة للإنسان الغربي بها. الجيش الأمريكي أصبح في ورطة، فلا منابع النفط التي جاء من اجلها تم تأمينها ولا هو قادر على خروج مشرف من أفغانستان والعراق على المدى المنظور. *استاذ هندسة الطيران - كلية الملك فيصل الجوية