اعتبر مختص ومهتم في الشأن القضائي بأن قلة عدد القضاة والمستشارين، والزيادة المطردة في عدد القضايا ليست السبب الرئيسي في تأخر المحاكم في البت بالقضايا وأن السبب الرئيسي والذي قد يغفل عنه البعض هو عدم وجود آلية واضحه لإدارة القضية منذ تقديم الدعوى وحتى صدور الحكم. ودعا للاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في نظام (إدارة سير القضايا) والتي ينتهج فيها طريقة وأسلوباً متميزاً في نظامها القضائي لإدارة سير الدعوى من خلالها توفر الكثير من الوقت والجهد والمال. وفي حوار "الرياض" مع المستشار القانوني في سفارة خادم الحرمين الشريفين في لندن "سابقاً" المحامي عبدالعزيز بن محمد الجار الله، المزيد من التفاصيل فإلى نص الحوار: * تأخر القضايا يعتبر هماً ومعضلة تؤرق الكثيرين في المملكة، بحكم تخصصكم في القانون وقربكم من المحاكم كيف تشخصون هذه الحالة؟ - كما هو معروف بأن واقع إجراءات سير الدعوى في المحاكم السعودية بطيء جداً في وقتنا الحاضر فعوضا عن أن تتطور اجراءات التقاضي بتطور الإمكانات المتاحة إلا أنها أصبحت أكثر تعقيداً وتستغرق وقتا طويلا قبل البت فيها، كما أن ذلك له سلبيات كثيرة ولعل من أهمها ما ورد في التقرير الثالث للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بأن المتقاضين وأصحاب الحقوق يتنازلون أو يتركون حقوقهم خوفا من طول مدة التقاضي. *برأيكم ما أسباب تأخر البت في القضايا؟ - جميع المهتمين بالشأن القضائي يختلفون في أسباب تأخر البت والفصل في كثير من القضايا سواء تلك المنظورة أمام المحاكم العامة والإدارية أو تلك المنظورة أمام اللجان القضائية وشبه القضائية فبعضهم يعتقد أن السببين الرئيسيين في ذلك هما قلة عدد القضاة والمستشارين، والزيادة المطردة في عدد القضايا، ويعتقد البعض الآخر بأن ضعف الإمكانات الواجب توفرها في المحاكم لناظري القضايا وقلة عدد أعوانهم سببان آخران ورئيسيان لبقاء القضايا داخل أروقة المحاكم لسنوات طويلة. * فعلاً هذه هي الأسباب الشائعة لدى المهتمين وأيضاً لدى عامة الناس، ولكن هل تعتقدون أن هناك أسباباً أخرى غيرها؟ - بصراحة إن المتأمل لواقع محاضر الضبط، وللأحكام والقرارات الصادرة من المحاكم المختصة يجد أن هناك سببا رئيسيا قل من يلتفت إليه يؤدي وبشكل مباشر إلى تأخر الفصل في القضايا المنظورة أمام الجهات القضائية المختصة، وهو عدم وجود آلية واضحة لإدارة القضية منذ تاريخ تقديم الدعوى وحتى صدور حكم فيها على الرغم من وجود أنظمة تنظم إجراءات الترافع أمام الجهات القضائية وشبه القضائية، منها على سبيل المثال لا الحصر نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام المرافعات أمام ديوان المظالم، ولائحة المرافعات واجراءات التوفيق والمصالحة امام اللجان الابتدائية واللجنة العليا وغيرها، فلا يكاد محضر ضبط أو حكم أو قرار يخلو من عبارات تكاد تتكرر في أغلب جلسات القضية تُظهر وبشكل جلي أن محاكم المملكة تفتقر إلى ما يعرف بإدارة القضايا. * ما هي تلك العبارات التي تقصدونها ليكون حديثكم واضحاً؟ - عبارات مشهورة ومتكررة على سبيل المثال عبارة (وبسؤال المدعي هل لديه بينة على دعواه فأجاب بنعم وأطلب إمهالي وعليه رفعت الجلسة إلى تاريخ .."كذا") وعبارة ( وبسؤال المدعي هل لديك مزيد بينة أجاب بنعم وأطلب إمهالي وعليه رفعت الجلسة إلى تاريخ.. "كذا") وعبارة (وعند سؤال وكيل المدعي عن ما استمهل لأجله أجاب بأنه لم يتمكن من إحضار الشاهد وطلب مهلة إضافية لإحضاره وعليه رفعت الجلسة إلى تاريخ..."كذا") وعبارة (وقد سبق أن كتبنا إلى سعادة مدير مستشفى الأمل بالرياض بالخطاب رقم.. وتاريخ.. للإفادة عما ذكرته المدعية "فلانه" كما جرى الكتابة لوحدة مكافحة المخدرات بالخطاب رقم.. وتاريخ... للافادة عما لديهم في موضوع المذكور" فلان") وعبارة (ورفعت الجلسة للكتابة إلى كتابة العدل الأولى في محافظة.. للإفادة عن سريان مفعول صك العقار محل النزاع")، وغيرها من العبارات والجمل التي تدل على أن القاضي والمتخاصمين بحاجة إلى استيفاء الكثير من الإجراءات التي لا غنى للقضية ولا للقضاة عنها لكي يتوصلوا إلى حكم عادل فيها. * إذن تعتقد أن ( وجود آلية واضحه لإدارة القضية ) مع قلة عدد القضاة وكثرة القضايا سيكون هو الحل؟ - أعتقد أنه بإمكان المسؤولين بالقضاء أن يتأكدوا من ذلك عندما ينظرون إلى تجارب بعض الدول المتقدمة في هذا المجال (إدارة سير القضايا) والتي ينتهج فيها طريقة وأسلوبا مميزا في نظامها القضائي لإدارة سير الدعوى توفر من خلالها الكثير من الوقت والجهد والمال. * حدثنا عن بعض هذه التجارب؟ - على سبيل المثال في بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية ينتهج النظام القضائي فيهما طريقة فريدة في إجراءات سير الدعوى في القضايا المنظورة أمام محاكمهما سواء كانت جنائية أو مدنية أو غيرهما، ففي القضايا الجنائية مثلا وبعد إنهاء جهات الضبط عملها المتمثل بالقبض على المتهم وجمع ما يكفي من الأدلة لتوجيه تهمة له يقوم المدعي العام بإقامة الدعوى ضد المتهم أمام المحكمة المختصة، وعليه تقوم المحكمة وخلال 15 يوما بتحديد موعد جلسة استماع تسمى (Plea and case management hearing ) وهي جلسة تمهيدية تعقب تقديم الدعوى وتسبق نظرها والترافع فيها تكون بحضور المتهم ومحاميه وذلك للاستماع إلى اجابته عن التهم الموجهه له، وتعنى أيضا بإدارة سير الدعوى حتى تاريخ جلسة المرافعة والحكم فيها. الذي يحدث في هذه الجلسة التي لا تتجاوز الساعة الواحدة هو عرض التهم على المتهم وفي حال إقراره بها يصدر القاضي حكمه في نفس الجلسة أو يحدد جلسة لاحقة يسبقها غالبا تقريرًا مفصلًا يقدم من جهه تشرف عليها المحكمة بمشاركة المتهم متضمنا سيرة ملخصة عن حياة المتهم والأسباب التي تدعو ناظر القضية لتخفيف الحكم عليه. وفي حال إنكار المتهم للتهم المنسوبة إليه فإن ناظر القضية في جلسة الاستماع المذكورة وبالتشاور مع المدعي العام ومحامي الدفاع يحدد جدولا زمنيا لإجراءات سير الدعوى والحكم فيها يتضمن (بحسب كل قضية) مهلة زمنية محددة وكافية للمدعي العام لإيداع لائحة اتهاماته المفصلة والمشتملة على كافة أدلته ( شهادات الشهود، تقارير الأدلة الجنائية، تقرير الطبيب الشرعي وغيرها) لدى المحكمة مع تزويد المتهم أو محاميه بنسخة منها، كما يحدد القاضي مهلة أخرى لمحامي الدفاع تبدأ من تاريخ استلامه للائحة الادعاء وذلك لإيداع دفوعه لدى المحكمة عن الاتهامات وطعونه على الأدلة المقدمة، ويضرب القاضي في هذه الجلسة موعداً للمحاكمة والترافع أمامه كما يحدد الوقت التقريبي الذي قد تستغرقه تلك المحاكمة، اخذاً بعين الاعتبار حجم الأدلة المقدمة. وعند استيفاء ذلك وفي موعد المحاكمة المحدد وبحسب ما يظهر للقاضي - عند انتهاء الترافع - من براءة للمتهم أو إدانة له يصدر حكمه في القضية. أما فيما يتعلق بالقضايا المدنية والحقوقية وغيرها فإنها لا تختلف من حيث المبدأ والوصف عن الاجراءات الشكلية في القضايا الجنائية حيث تقوم المحكمة بعد تقدم المدعي بدعواه بمخاطبة المدعى عليه وتبليغه بالدعوى تبليغاً صحيحاً وفي حال تبلغه فإن المدعى عليه ملزم بإشعار المحكمة باستلامه البلاغ وعلمه بالدعوى وتقديم مذكرة بذلك تتضمن اعتراضه على ما ورد فيها، وعليه فإن المحكمة المختصة تحدد جلسة استماع أولية لا تستغرق وقتا طويلا تسبق نظر الدعوى تسمى ( (Case Management Conference تسبق نظر الدعوى والترافع فيها، وتعنى بإدارة سير الدعوى يحضرها كل من المدعي والمدعى عليه أو محاميهما يعرض فيها القاضي على الطرفين الصلح والتسوية أو قد يحيلهما إلى مكتب للصلح بينهما، وفي حال عدم رغبتهما في الصلح فإن القاضي وفي نفس الجلسة أو في جلسة لاحقة في حال تعذر الصلح، يحدد جدولًا زمنيا للدعوى يشتمل على مهلة معقولة لكل طرف بعد التشاور معهما وذلك لتقديم ما لديهما من أدلة وبراهين تؤيد ما يدعيانه بمذكرة تسلم للمحكمة ونسخة منها للطرف الآخر في موعد محدد يسبق الجلسة المخصصة لنظر الدعوى. وفي الجلسة المذكورة أيضا ينظر القاضي في طلبات الخصوم المتعلقة بمخاطبة بعض الجهات الحكومية وغيرها لتزويد المحكمة بما قد تحتاجه من معلومات يعتقد ناظر القضية أو أحد الأطراف أنها قد تلعب دورا مهما في بيان الحق المطالب به والحكم به، كما يحدد ناظر القضية موعدا لنظر الدعوى والمرافعة والمدافعة يستمع فيها لشهادات الشهود، وينظر في البينات المقدمة، إضافة إلى ذلك فإن ناظر القضية بعد الاستماع إلى ملخص الدعوى وما تحتويه من بينات يحدد الوقت اللازم لنظرها والذي يتراوح ما بين يوم إلى خمسة أيام متواصلة وذلك في جلسة تعقب جلسة الاستماع الأولى بمهلة زمنية كافية لاستكمال متطلبات الدعوى، وعندما يحين موعد نظر الدعوى وبعد الاستماع إلى كل طرف وما قدمه من بينات يرفع القاضي الجلسة ويحدد مهلة زمنية لا تتجاوز الشهر لدراسة القضية وتأملها والنطق بالحكم فيها. * برأيك ما هي إيجابيات تطبيق مثل تلك الإجراءات؟ - الكثير من الإيجابيات التي يصعب حصرها على سبيل المثال أنها تعالج الكثير من المعوقات - ان صحت التسمية - التي تؤثر وبشكل مباشر في تأخر الفصل في الكثير من القضايا في محاكم المملكة، إضافة إلى أنها تساعد على إنهاء أكثر من 70% من القضايا عن طريق الصلح والتسوية، حيث إن تقديم كل من طرفي النزاع ما يملكانه من بينات ودفوع لبعضهما الآخر قبل موعد المحاكمة بوقت كافٍ يفتح المجال لكل طرف في إعادة النظر في القضية ومعرفة موقفه منها وما قد يترتب على صدور حكم ضده مما يجعله أكثر رغبة في انهائها صلحا. كما أن من إيجابياتها أنها توفر الكثير من الوقت الذي يستغرق لنظر القضية مقارنة بالوقت الذي تستغرقه بحسب الإجراءات المعمول بها حاليا، حيث إن متوسط نظر القضية منذ تاريخ تقديمها وحتى صدور حكم نهائي فيها في الوقت الحاضر لا يقل عن سنتين، بينما يمكن تقليصه إلى 6-9 أشهر. أضافة إلى أنها توفر الكثير من وقت القضاة ومعاونيهم وغيرهم من موظفي المحاكم وتقضي على تكدس المراجعين من أصحاب القضايا في المحاكم، وتوفير جهد القضاة ومعاونيهم فالمعمول به حاليا أن القضاة يقومون بدراسة القضية ومراجعتها قبل كل جلسة حتى وإن كانت غير مهيئة للحكم وذلك لتباعد أوقات الجلسات من جهة وما قد يعرض للقضاة من الحاجة إلى الكتابة إلى جهة ما للاستفسار عن موضوع له علاقة بالقضية من جهة أخرى وهذا بدوره يستنزف وقت القضاة وجهدهم، بينما يمكن للقاضي عمل كل ذلك بكل يسر وسهولة ولمرة واحدة. ومن الإيجابيات الهامة أيضاً بأنها تساعد كثيرا في القضاء على مماطلة الخصوم، و تساعد أيضا على إعادة الحقوق إلى أصحابها في أسرع وقت وتشجع كل ذي مظلمة على التقدم للمحاكم بمظالمهم، وتمنع من جهة أخرى استغلال تأخر البت في القضايا من قبل البعض على التصرف في حقوق غيرهم وأموالهم وأكلها بالباطل، وغيرها من الإيجابيات الكثير. * في الختام هل لديكم كلمة أخيرة؟ - في الختام.. أتمنى من الجهات القضائية المختصة في المملكة الاستفادة من تجارب الدول المتطورة قضائيا بما لا يتعارض - بلا شك - مع أحكام الشريعة الإسلامية للنهوض بمنظومتنا القضائية إلى ما نصبو إليه، خاصة في ظل اهتمام خادم الحرمين الشرفين "رعاه الله" على تطوير القضاء، إضافة إلى ما تقوم به وزارة العدل من جهود جبارة مشكورة للارتقاء بهذا المرفق في كافة المجالات. الجار الله متحدثاً للزميل السالم تطبيق نظام «إدارة سير القضية» يساعد على إنهاء 70% من القضايا عن طريق الصلح والتسوية