ألمحت كوريا الجنوبية إلى أن اتفاقاً مع المملكة لتطوير الدراسة المشتركة المتعلقة بتقنيات الطاقة الذرية من شأنه أن يعمل على زيادة إمكانية تصدير مفاعلات نووية صغيرة الحجم والمعروفة باسم "سمارت" إلى المملكة . وتخطو المملكة خطوات حثيثة لإنجاز العطاء الأول للمفاعل النووي المرتقب ، إذ يبدو أن كوريا الجنوبية وفرنسا على حد سواء متحمستان للظفر بإنشاء المحطة النووية الاولى . وتأتي الجولة الآسيوية التي قام بها رئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة الدكتور هاشم بن عبدالله يماني للصين وكوريا الجنوبية، في وقت تشهد المملكة سباقاً للتنمية وضغطاً في الطلب على الطاقة على المستويين الداخلي والخارجي، إضافة إلى تأسيس تعاون أوثق مع الدول التي سبق وأن وقّعت مع المملكة اتفاقاً ثنائياً في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية وهي فرنسا وكوريا الجنوبية والصين والارجنتين . وخلال زيارة قام بها الدكتور هاشم بن عبدالله يماني رئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة إلى كوريا الجنوبية ولقيت اهتماماً حكومياً كبيراً من حكومة سيئول المعينة حديثاً والمتطلعة إلى بناء علاقات إستراتيجية سياسية واقتصادية طويلة الامد مع دول الخليج خصوصاً في مجال الطاقة النووية الذي يأخذ التعاون فيه جانباً استراتيجياً ، إذ حققت كوريا نجاحاً باستحواذها على بناء اربع محطات نووية في الامارات العربية، وعبر وزير الصناعة يون سانغ جيك خلال اجتماعات الطاولة المستديرة المعنية بالتعاون النووي السعودي- الكوري عن أمله بأن تساهم بلاده في تنفيذ مشاريع سعودية خاصة بالطاقة النووية. (إشارات تقارب) يبدو أن سيئول والرياض يتجهان لشراكة حقيقية في هذا المجال فمنذ توقيع اتفاقية التعاون في مجال الطاقة النووية بين البلدين والمسئولون عن هذا الملف في المملكة وكوريا الجنوبية يتبادلون الزيارات في فترات متقاربة، كما اتفقا مؤخراً على إجراء دراسات مشتركة في التقنية النووية وهي إحدى نتائج اجتماع الطاولة المستديرة. ويدفع الجانبان نحو تقارب يفضي إلى شراكة تشمل تطوير وإدارة المشاريع النووية والأبحاث والتطوير وتأهيل الكوادر السعودية وتوطين الصناعة النووية في المملكة وتطوير نموذج العمل المشترك والأهداف الإستراتيجية في إدخال مصادر الطاقة المستدامة ومنها الطاقة الذرية وكذلك الآليات والخطط التنفيذية لتوطين سلسة المكونات الصناعية والخدمية للطاقة النووية وتطوير الكوادر البشرية الوطنية . في المقابل ترى سيئول أن العديد من تقنياتها وخبراتها في الطاقة النووية من شأنها أن تساهم في تنفيذ مشاريع سعودية خاصة بالطاقة النووية، وتحظى كوريا الجنوبية بسمعة جيدة في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية وخبرة تمتد إلى خمسين عاماً. وتسعى كوريا الجنوبية لتصدير تقنيتها النووية، واضعة نصب عينيها هدف تصدير 80 مفاعلاً نووياً بحلول عام 2030 اعتباراً من عام 2010 وتستهدف من خلال ذلك الهند والصين وتركيا واندونيسيا وفيتنام والأردن والإمارات العربية . وبالنظر إلى السجل النظيف الذي تتمتع به كوريا في استخدامات الطاقة النووية يظهر اهتمام القائمين على تطوير قطاع الطاقة النووية في المملكة سعيهم تجاه تعزيز مسألة الأمان النووي، وهو ما نستشفه من تعليق وزارة الابتكار المستقبلي والعلوم الكورية عن اتفاق سعودي – كوري يمكن أن يفضي إلى زيادة تصدير مفاعلات نووية تعرف باسم " سمارت". (" سمارت " .. مزايا وعيوب) خلال زيارة سابقة إلى مدينة دايجون الكورية وتحديداً معهد بحوث الطاقة الذرية عرض الدكتور كيم هارك رهو وهو مدير مفاعل سمارت مميزات المفاعل الذي ينتمي إلى مجموعة المفاعلات الصغيرة ، وخلال تلك الزيارة أخبرني الدكتور رهو عن الحماسة التي يبديها المسؤولون عن المشاريع النووية في بعض الدول لهذا النوع من المفاعلات بسبب ميزات الامان العالية وأهمها ميزة الاغلاق الاوتوماتيكي فور حدوث طارئ أو كارثة في حال انقطاع الكهرباء اللازمة لتبريد المفاعل كما حدث في " فوكوشيما " ، كما أن الحجم الصغير للمفاعل الذي يبلغ طوله 18.5 متر وعرضه 6.5 متر ميزة أخرى ، لكن الأمان العالي وقلة الوقود يقابلها ضعف في انتاج الطاقة فالمفاعل لا ينتج إلا 330 ميغاوات بمعنى انه يستطيع توفير الكهرباء وتحلية المياه لحوالي 100 ألف شخص فقط ، على حد قول الدكتور رهو . في الجانب المقابل وخلال الزيارة السابقة سنحت لي الفرصة لمقابلة الدكتور سانغ كيو شانغ رئيس المؤسسة الكورية لمنع الانتشار والتحكم الذي رأى في "سمارت" مفاعلاً جيداً وآمناً ولكنه غالٍ جداً من ناحية القيمة فسعره أغلى من المفاعل العادي ثلاث مرات . يظل السؤال المطروح والمهم خلال الفترة المقبلة هو ما الاتجاهات المقبلة للطاقة النووية في المملكة، وما الذي سيحددها وأي نوع من تكنولوجيا المفاعلات سوف نختار ونذهب باتجاهه وإن كان التنوع ربما يكون سيد الموقف إذا ما علمنا أن المملكة تخطط لإنشاء حوالي 16 مفاعلاً .