كلما رنَّ هاتف "يوسف" شعرت زوجته "هناء" بقلق شديد، وبألم نفسي أكبر، فهي تعلم أن كل مكالمة يرد عليها بعد أن يخرج من المكان الذي تجلس فيه، يعني أنه يتحدث مع طليقته التي انفصل عنها منذ أكثر من عامين بعد خلافات زوجية استمرت بينهما طويلاً، لكن المفاجأة الكبيرة التي عاشتها "هناء" أن طليقة زوجها تحولت إلى حبيبته بعد الطلاق، وبأن طليقته أصبحت تتحدث معه عبر الهاتف، وتطلب منه أن يقطع هذا البعد بالزواج مرة أخرى. شعرت "هناء" بمعاناة كبيرة، فزوجها على الرغم من تعاملها الحسن ومحاولتها الدائمة لأن يشعر بالاستقرار والراحة معها بتوفير الأجواء الجميلة له في المنزل، أصبح يفتش عن "طليقته" التي يبعث لها الأشعار ويتحدث معها لساعات طويلة، حتى بعد أن واجهته بالحقيقة التي لم ينكرها، وخيرها بين قبول ذلك، أو العودة إلى منزل أهلها، فتلك المرأة التي طلقها هي حبيبته الآن!. وتعاني بعض الزوجات من "كابوس الزوجة الأولى"، عندما تتحول إلى "حبيبة"، وتظهر في حياته مرة أخرى، فيعيش معها حالات الحب والأشواق والأحاديث التي تمتد إلى ساعات طويلة على مرأى الزوجة الثانية التي لا تستطيع أن تفعل الكثير حيال زوج أصبح يحن إلى الماضي. والحاصل ما بعد الطلاق أنه بعد إصدار قرار "الانفصال" يعود كلا الطرفين إلى تقدير الذات، فيصعب عليهما تقبل أنه حدث الطلاق بالفعل، حيث يستعيدان الذكريات ويقيّمان التجربة، ليبدأ شعور العودة إلى الطرف الآخر من جديد، وهو ما يؤكد على أن "مفهوم الطلاق" شائك وغير واضح لكلا الطرفين، فكان من الأجدر أن يبتعد كلاهما عن الآخر مدة زمنية، وتكون هذه المدة كفيلة لاختبار المشاعر. تحوّل غريب عاشت "هنادي جاسم" هذه المعاناة مع زوجها الذي تزوج بها بعد مشاكل طويلة مع زوجته السابقة التي طلقها، حيث كان يكن لها كل تحامل وكُره وانتقاد، لكن تلك الطليقة عادت لتدخل حياتهما الزوجية ولكن بصورة "الحبيبة"، فزوجها أصبح يتبادل معها الأحاديث الطويلة، ويبعث لها برسائل، حتى وصل الحال إلى أنه أصبح يختلق الخلافات الزوجية لأسباب غير مقنعة في حياتهما حتى يدفعها إلى الغضب والعودة إلى منزل أسرتها، وحينما حاولت أن تحافظ على حياتها بمحاولتها الوصول إلى رقم طليقة زوجها، وطلبت منها أن تترك شريك حياتها، وأن تبتعد عن حياتهما، رفضت بكل قوة وأخبرتها أنه "حبيبها" وأنها "حبيبته"، ولا يمكن أن تتنازل عنه بسهوله، وبأن نهاية هذا الحب الزواج من جديد، مشيرةً إلى موقف زوجها المخيّب حينما علم من "طليقته" أنها هاتفتها وطلبت منها الابتعاد عن حياتهما، فما كان من الزوج إلا أن اختلق خلافا كبيرا بينهما، فأصبح يصرخ ويعترض على موقفها وهددها في حالة تكرار ذلك بأن يطلقها. حنّ للماضي وقالت "هنادي جاسم": لا أفهم لماذا يطلق الرجل زوجته إذا كان يحبها ولا يرغب بأن تخرج من حياته؟، لماذا يتزوج بزوجة أخرى تتحول مع مرور الوقت إلى ضحية ليس لها أي ذنب؟، مضيفةً ان الرجل حينما يطلق زوجته على الرغم من المشاكل الكبيرة التي عاشها معها يبقى يحن إليها، وبعض المطلقات يصبح طليقها في عينيها أحلى بعد الطلاق، والضحية الكبرى هي الزوجة الثانية، التي تعاني وهي ترى زوجها يهدم الجسور في علاقتهما الزوجية ويبنيها مع طليقته التي أصبح يحبها. تحرك المشاعر وأوضحت "مرام علي" أنها تطلقت من زوجها بعد خلافات استمرت لسنوات، حيث أنجبت منه طفلة، لكنها بعد فترة من الطلاق وجدت أن هناك تواصلا طفيفا بينها وبين طليقها عبر "الوتساب"، يدور حول متطلبات الطفلة التي بينهما، حتى تحول ذلك التواصل إلى استلطاف ثم شيء من الود حتى وصل إلى الإحساس بالحب، مضيفةً أن العشرة تبقى موجودة ومؤثرة، وهي ما تجمع الطرفين حتى بعد الطلاق، على الرغم من أنها تعاني من بخل زوجها، الكثير من الصفات غير المقبولة، لكن شيئا من المشاعر تحرك بعد الانفصال بينهما، وأصبح هناك تواصل دائم على الرغم من أنه تزوج بامرأة أخرى، مشيرةً إلى أنها ترغب في العودة إلى طليقها ليس لتهدم حياته الزوجية الثانية التي عاشها بعد طلاقهما، بل لأنه "أب" طفلتها، وأنها أولى به من غيرها، وأن زوجته الثانية ليس لها الحق فيه كما هي تملك هذا الحق، فهي الزوجة الأولى ولو طلقها، وهي أم ابنته التي ترغب أن تعيش بين أب وأم في بيت واحد. وجود الحُب وقال "إسماعيل محمد": إن الرجل حينما يعود ليحب طليقته حتى مع وجود زوجة أخرى تقدم له كل الحياة الزوجية المستقرة التي لم يعشها مع طليقته، فان ذلك يدل على وجود "الحُب" الذي لم ينتهِ بحدوث الطلاق، فالرجل قد يحب امرأة متعجرفة ويتعذب كثيراً بسبب سلوكياتها، ويجدها زوجة فاشلة، لكنه في النهاية يحبها ولا يعرف أسباب ذلك، وقد ينتهي الزواج بالطلاق وينفصل الطرفان ويذهب كل منهما إلى حياة أخرى، لكنه يبقى يشعر بحنين دائم لها، فتتحول من الزوجة المتعجرفة والسلبية في نظره إلى المرأة التي يحبها، فيحدث التقارب من جديد، لكنه بشكله الوردي نظراً للبعد، مشيراً إلى أنه تزوج من فتاة لم يكن بها أي حد أدنى من الصفات الجيدة التي تؤهلها لأن تكون ربة منزل ممتازة، حيث كانت كسولة ولا تهتم ببيتها، كما أنها سليطة اللسان ومتطلباتها كثيرة ولا تنتهي، حتى انها أرهقته مادياً، وتحمّل فوق طاقته، وقد حاول كثيراً أن تستمر حياتهما، لكنها بعد فترة من الزواج أصرت على الطلاق فتطلقا. وأضاف: تزوجت بفتاة أخرى وفّرت لي كل الأجواء التي أحلم بها، لكنني وجدت نفسي أنني لم أستطع أن أنسى زوجتي الأولى، مبيناً أنه حاول التواصل معها، حتى تحول الزواج السابق إلى علاقة حب وردية مازالت مستمرة. تتحرك المشاعر بعد الانفصال ليُفكّر الطرفان بالعودة مرةً أخرى إستراتيجية خاطئة وتحدث "د.سعد المشوح" -أستاذ الطب النفسي المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود- قائلاً: إن حدوث الطلاق من الناحية النفسية في السابق كان لا يحدث إلاّ حينما تكون المشكلة في أوج عظمتها، فلا يكون عبارة عن جلسة ودية بين الطرفين تنتهي بقرار الانفصال، مضيفاً أن قضية اتخاذ القرار من الناحية النفسية غالباً ما يكون إستراتيجية خاطئة، فما يحدث هو أن بعد إصدار القرار والعودة إلى تقدير الذات لكلا الطرفين سواء من الرجل أو المرأة، فانه يصعب عليهما تقبل أنه حدث الطلاق، مبيناً أن هناك الكثير من الحالات يحدث الطلاق وتتزوج المرأة ويتزوج الرجل وتتطلق المرأة ويتطلق الرجل ويعودان إلى حالتهما السابقة كزوجين، وهذا يدل على أن القضية التي أدت إلى حدوث الطلاق لا تستحق إلى أن تصل إلى هذا الحد، مشيراً إلى أن مفهوم الطلاق شائك وغير واضح لكلا الطرفين، فكان من الأجدر أن يبتعد كلاهما عن الآخر مدة زمنية، وتكون هذه المدة كفيلة لاختبار المشاعر. وأضاف ان المجتمع لا يعطي الفرصة للزوجين في فترة الخلاف للشعور بالفراغ العاطفي في فترة الابتعاد، فهناك من الأزواج من لم يبتعد عن زوجته عشر سنوات ليوم واحد فقط فيحدث الطلاق، ويكون هو التجربة الوحيدة لاختبار المشاعر، لذلك فإنه في قرارة أنفسهم لا يريدون الطلاق، لكنهم يريدون الابتعاد قليلاً للتفكير، لكن إستراتيجية خاطئة بالقرار هي ما تُساهم في حدوث الطلاق. فترة ابتعاد وأوضح "د.المشوح" أن المرأة والرجل يحتاجان لفترة ابتعاد لقياس مستوى المسافة في الانفعالات والمشاعر تجاه الشخص الآخر، حتى يقيس مدى ما يشعر به تجاه الطرف الآخر وتجاه أبنائه وحبه لزوجته وكذلك المرأة، مضيفاً أن مستوى الخبرات النفسية عند المرأة وعند الرجل لا يتجاوز تكرار تجربة، فقد تكون التجربة الأولى أفضل من الثانية؛ لأن كثيرا من الرجال من يعتقد أن النساء جميعهن بطبائع واحدة وبسلوك واحد، لكن ذلك اعتقاد خاطئ؛ لأننا نتعامل مع النفس البشرية، ولكل إنسان طبائعه وسلوكياته التي تختلف عن الشخص الثاني، مبيناً أنه إذا تراكمت مشاعر الرجل مع المرأة وعلاقاته وخلاف بناء هذه العلاقة لسنوات ثم انفصلوا، فانهما يصعب عليهما تكوين علاقة جديدة مع أشخاص آخرين، فيعودون إلى نفس التجربة بخيرها وشرها وحلوها ومُرها. استعادة الذكريات وذكر "د.المشوح" أن الرجل والمرأة يصابان بخبرة ما بعد الطلاق، وصدمة ما بعد الطلاق، وهذه الخبرة قد تؤدي إلى شعور العجز النفسي لإكمال مسيرة الحياة، وعدم القدرة على مواجهة المشكلات، فيعود الرجل وتعود المرأة إلى بعضهما، وربما يكون وقع الطلاق الذي يتخذ "البينونة" الكبرى، فيحتاجون إلى حل لهذه المشكلة، مؤكداً على أن صدمة ما بعد الطلاق قد تؤثر طوال العمر سواء شعرت المرأة والرجل أو لم يشعر كلاهما، داعياً إلى ضرورة أخذ إجازة كل خمسة أو ثلاثة أعوام، وليس بالضرورة أن يحدث ذلك لوجود مشكلة، بل لإعطاء الآخر فرصة لقياس مستوى المشاعر وحبه للأسرة، مبيناً أنه إذا حدثت الفترة الزمنية وكلا الطرفين مبتعدان عن بعضهما البعض، وأخذ كلاهما يستعيد ذكرياته مع الطرف الآخر ويقيم التجربة، فإنه غالباً لن يستمر في طلب الطلاق، ولكن للأسف ما يحدث أن هذه الفترة غالباً ما تكون بتأثير من الأهل، وتدخل القضية في طور تصبح فيه شائكة جداًّ. قيمة تعريفية وانتقد "د.المشوح" على المرشدين الأسريين الذين ليس لديهم مهارة لحل المشكلات، كما يعيب على الكثير من الأُسر الذين يعتقدون أنهم يحلون مشاكل أبنائهم حينما يختلفون مع أزواجهم ويعودون إلى الأسرة، فيقولون: "إما خذها أو طلقها"، مؤكداً على أن الأمور لا تُحل بتلك الطريقة، إذ لابد أن جميع البشر لديهم مشاعر ولديهم اتجاهات إلاّ حينما يكون هناك عيب شخصي كبير، موضحاً أن الرجل حتى حينما تكون لديه زوجة ثانية جيدة وتحاول أن ترضيه فانه سيبقى يحن إلى طليقته، وذلك عائد إلى أن التجارب التي مر فيها والخبرات التي اكتسبها مع طليقته فإنها غالباً ما تحدث حينما يكون بين هذين الزوجين أعوام من العشرة، فتلك الخبرة التي اكتسبها الرجل بحلوها ومُرها فانها تمثل قيمة تعريفية لديه، ومخزنا من التجارب يصعب تجاهلها إذا لم تكن هي من تسيطر على حياته، مشيراً إلى أنه حتى حينما يظفر بزوجة جيدة فإن الرجل يصعب عليه تجاوز تجربته السابقة مع طليقته، فالناس كثيراً ما يتأثرون في الحياة بالخبرات المؤلمة، فهي من تسيطر على الوقت، وذلك ما يبرر ذهاب علماء النفس والاجتماع إلى استحضار الخبرات المعرفية من خلال حل هذه المشكلات. د.سعد المشوح