الأفلام التي تبدأ بخروج الممثل آل باتشينو من السجن تحمل في ثناياها دفئاً عاطفياً ولطفاً ووداعة نابعة من رغبة السجين في البحث عن حياة أفضل وواقع مختلف عن واقعه السابق، وفي بحثه عن رفقة ناعمة تشعره بأنه لا يزال إنساناً، وإقناع من حوله بأنه تغير وترك حياة الجريمة. رأينا ذلك في ثلاثة أفلام له؛ الأول فيلمه الرومانسي (فرانكي وجوني-Frankie and Johnny) الذي قدمه عام 1991 وظهر فيه بدور السجين الذي يخرج للحياة ويُفتن بالنادلة –ميشيل فايفر- ويسعى للتقرب منها، وفيلمه الثاني قدمه في 1993 بعنوان (طريقة كارليتو-Carlito's Way) مجسداً دور قيادي في عالم الجريمة يخرج من سجن طويل مدفوعاً بهمّ وحيد هو الهرب من هذا العالم الكريه مصطحباً امرأته وحبيبته التي ظلمها لسنوات. أما فيلمه الثالث فيخرج فيه من السجن ليسدد ديناً قديماً قد يكلفه حياته. يحمل هذا الفيلم عنوان Stand Up Guys وهو أحدث أفلامه وقد بدأت عروضه في صالات السينما التجارية في شهر فبراير الماضي. ويقوم فيه باتشينو مع الممثلين الكبيرين كريستوفر ووكن وآلان آركين؛ بأداء شخصيات ثلاثة أصدقاء "مجرمين" تفرقهم الحياة لأكثر من عشرين عاماً ثم يلتقون في ليلة واحدة ليستعيدوا ما فعلاه في أيام الشباب من تمرد وإجرام وجنون، وهم لا يقومون بذلك عبثاً أو لمجرد الحنين للصبا، إنما فُرض عليهم ذلك فرضاً، ورغماً عنهم، لأن صديقهم "فال" –باتشينو- الذي خرج من السجن للتو، وبعد أكثر من عقدين، لا يزال مهدداً بالقتل من قبل زعيم عصابة يريد الانتقام منه لأنه تسبب في مقتل ابنه الوحيد. يخرج "فال" من سجنه مُتعباً مُنهكاً وهرماً، كل ما ينشده أن يعيش للحظات كإنسان طبيعي، لا يريد العودة لعالم الجريمة، ولا يطلب من صديق عمره "دوك" –ووكن- سوى الصحبة الطيبة اللطيفة التي تنسيه خيباته، لكن عالم الجريمة لا يتركه في حاله، فلا يزال هناك دين قديم لابد من سداده، ومثلما قال باتشينو نفسه في الجزء الثالث من سلسلة "العرّاب" (إنهم يريدون إعادتي بالقوة للجريمة)، هنا يتكرر ذات الأمر ويجد نفسه، في اليوم الأول لخروجه من السجن، أمام زعيم عصابة يريد قتله في هذا اليوم بالذات. وما بين سعي "فال" للخروج من هذا المأزق، واستعادة ذكرياته الجميلة مع صديقيه العجوزين، وبعض المغامرات الجانبية، يمضي الفيلم مصوراً تفاصيل اليوم الأول في حياة المجرم الهرِم بعد سنوات السجن، والذي يمكن أن يكون اليوم الأخير في حياته أيضاً. ومع أن الفيلم ينهض على قصة جميلة تحوي مشاعر متباينة، من شعور بالحرية والانطلاق وخوف من مصير مجهول، وحنين إلى ماضٍ جميل، إلا أن المخرج فيشر ستيفنز فضّل السير على سطح هذه المشاعر وتقديمها في قالب تسلوي تجاري سطحي لا يبقى في الذاكرة طويلاً، وهذه للأسف حال أغلب الأفلام الجديدة لنجوم الأمس؛ آل باتشينو وروبرت دي نيرو ودينزل واشنطن.