أجرت مؤخرا المذيعة المعروفة كيتي كوريك في برنامج "ستون دقيقة" حوارا مع الممثل الشهير آل باتشينو. باتشينو الذي يعد الآن من أكثر الفنانين الأحياء احتراما، وينظر له كأسطورة فنية لا تضاهى، مقل كثيرا في حواراته، ولكنه هذه المرة منح قناة سي بي أس هذه المقابلة الحصرية بسبب بلوغه سن الستين وكذلك بمناسبة فيلمه الجديد "أنت لا تعرف جاك". الحوار على أهميته سيبدو مملا فعلا لكل من قرأ كتاب "آل باتشينو" الذي نشره الصحافي وصديقه لورانس جروبيل، والذي من خلاله يكشف أكثر تفاصيل حياة آل باتشيتو الفنية والشخصية سرية. غلاف الكتاب ميزة الكتاب أنه جاء على طريقة حوارات منفصلة بدأت من عام 1979 إلى 2007، هذه التواريخ كتبت على كل الفصول التي ضمها الكتاب الذي يغطي فترة كبيرة من حياة هذا النجم الأشبه باللغز، ولكن منذ بداية قراءة الحوار نبدأ بالتعرف إلى شخصية باتشينو. في الواقع حتى قبل أن نقرأ الحوارات ندرك ذلك من خلال مقدمة الكتاب التي كتبها الفنان نفسه والتي يتضح من خلاله إعجابه الكبير بالفنان الأسطوري مارلون براندو لدرجة أنه لم يقبل بالموافقة على مقابلة لورانس إلا بعد أن شاهد مقابلة سابقة أعجبته مع براندو. ويشير باتشينو إلى نقطة مهمة في شخصية المحاور لورانس، وهي قدرته بسهولة ومهارة كبيرة على دفع ضيوفه للكلام بطريقة مريحة ومنفتحة. هذا بالفعل ما عبرت عنه جميع حورارات الكتاب، فهي سلسة وجميلة وجادة وعميقة وحزينة ومفاجئة في وقت واحد. هذه بحق مهارة كبيرة لهذا الصحافي المميز بالفعل. من البداية نتعرف إلى أمر مفاجئ، هذا الفنان المتفجر أمام الشاشة يصاب بالارتباك لمجرد أن لورانس شغّل المسجل، طلب منه باتشينو أن يطفئه لوقت معين ولكن الصحافي رفض وقال له إنه سينسى وجوده بعد فترة قصيرة وستندفع الإجابات منه تلقائيا، وهذا ما تم فعلا فيما بعد عندما تطرق باتشينو لقصص حميمة وخاصة جدا، أهم هذه القصص هي علاقته النازفة بوالده الذي هجره، بينما كان بعمر الثانية فقط، الأمر الذي تسبب بجرح بداخله لم ينغلق على رغم مرور الأعوام الطويلة. يجيب باتشينو عن طبيعة علاقته بعدما كبر بأنه لا يعرفه. كما يقول، كما تجلس مع شخص لا تعرفه جيدا، أما من ناحية الأم فيقول إنه كان لها الفضل بإبعاده عن حياة الشوارع في ساوث برونكس في نيويورك، ولكن رحيلها المبكر قد تسبب بجرح كبير في حياته. من ناحية فنية، تم تناول شخصية "مايكل كلوريوني" التي لعبها باتشينو في الفيلم الشهير "العراب" وهي التي كانت السبب في بزوغ شهرته. هذه الشخصية التي يصفها المؤلف بأنها باردة كالثلج يرى باتشينو أنها شخصية ملغزة بالنسبة له، ويقول باتشينو إنه يعد الجزء الثاني من العمل كان هو الأفضل بالنسبة إليه، أما الجزء الثالث فلم يحظ بإعجابه. ولكن آل باتشينو تحدث عن الصرخة الشهيرة في نهاية الجزء الثالث، التي ربما كانت أهم مشاهد الجزء كاشفا أنه لم يكن مخططا لها أن يتم قطع الصوت، ولكن مهارة المخرج فرانسيس كوبولا هو الذي صنعها بهذا الأسلوب البارع. كوبولا كان له الفضل الكبير على آل باتشينو عندما حارب لمنحه دور "مايكل"، وكما يقول المخرج نفسه إنه عندما بدأ قراءة الرواية كان يرى وجه باتشينو في كل مرة يتخيل فيها وجه مايكل. في مقطع آخر تحدث باتشينو عن الشخصية الحقيقية لفيلمه "سربيكو" وهو الشرطي الذي كشف عن شبكة فساد من رجال الشرطة أنفسهم. يقول باتشينو إنه جلس مع سربيكو مرة وسأله محاولا فهم دافعه العميق، لماذا فعل ذلك وخاطر بحياته. رد عليه سربيكو بإجابة بليغة بأنه لا يعرف من سيكون عندما يستمع للموسيقى التي يحبها. إنه يعني سيخسر قيمه الأخلاقية التي تعكس حقيقته وجوهره، ويكشف باتشينو أنه فتح شخصية "توني مونتانا" في الفيلم الشهير "سكار فيس" أول مرة لشخصيات كوبية يعرفها على عكس ما يفعل بالعادة، حيث يقوم شخصيا بالاشتغال على شخصياته. الغريب عن باتشينو المعروف بجدية أدواره يرى أنه عاشق لعب الأدوار الكوميدية، التي يقول إنه انطلق منها في بداياته عندما كان طالبا، وعبر عنها بشكل أكبر في فيلم "ديك تريسي" عندما مثل شخصية "big boy" التي تعتبر واحدة من انجح الأدوار التي قام بها. في إحدى المرات ينتقد لورانس باتشينو لكونه شديد النعومة في نقده الفنانين الآخرين. في الواقع هو محق ف "باتشينو" لم يقل أي آراء حادة في أي من الفنانين الذين لا يعجبونه. عندما سئل عن رأيه بالفنان جون ترافولتا اكتفى بالقول إنه "راقص جيد" وهي إجابة نقدية ناعمة على عكس آراء براندو الصريحة والحادة بالفنانين الآخرين. آل باتشينو نفسه يتأثر بالنقد، يتضح ذلك حتى في لقائه الأخير مع كيتي كوريك، التي سردت عليه الآراء الحادة التي أعقبت فيلمه سكار فيس، الذي أنتج عام 1983 فرد عليها: "مازالت تؤلم!!". ولكن من جهة أخرى له آراء صادمة أحدها في الفيلم الشهير "وطار فوق عش الواق واق" للنجم جاك نيكلسون الذي قال عنه إنه لا يفتقد العمق، ولا يستحق الأوسكار. ورده على انتقاد الفنان انتوني هوبكنز العلمية المتكررة لمسرحيات شكسبير الأمر دفع باتشينو للقول إنه يجب إذن وقف إعادة إحياء موسيقى موتزرات بحجة أنها عملية متكررة. وإضافة إلى أن هذه ميزة الأعمال الخالدة أنها تبعث من جديد. من أجمل مقاطع الحوار عندما يتحدث باتشينو عن قدرته على تقمص الشخصيات. يسأله لورانس كيف يعرف أنه تقمص الشخصية يجيب باتشينو: "هذا كل ما أحاول القيام به طول الوقت. الوصول إلى نقطة تشعر فيها بغريزية الشخصية. "ولكنه يقول إنه لا يدرك فعلا إذا ما كان يخرج فعلا عن حدود الشخصية، ويعد هذه مسألة تقلقه ويفكر فيها كثيرا. وعند سؤاله عن سبب قيامه المتكرر لمسرحيات شكسبير قال إنه يشعر بأنها تعالجه. لآل باتشينو عبارات رائعة مثل: "إذا لم تكن تفكر بحياتك فأنت على الأرجح سعيد". هذا الكتاب المملوء بالأسرار التي تكشف للمرة الاولى عن حياة هذا النجم الكبير يجعلك تفهم من هو آل باتشينو وكيف يفكر ويشعر ويعمل. انه يجعلك باختصار تشعر بحب لأفلامه أكثر من ذي قبل.