يعد القرنان الخامس عشر والسادس عشر "العصر الذهبي" للاستكشافات الجغرافية. ففيهما وصلت الكشوفات الأوروبية الى مناطق وقارات لم تعرف من قبل. ففي عام 1492 انطلق كولومبس في حملته الشهيرة لاستكشاف الامريكتين. وفي عام 1498 كان فاسكو دي جاما أول أوروبي يصل الى الهند عن طريق البحر. وفي عام 1519 قاد البرتغالي فرديناند ماجلان أول رحلة حول الأرض. وفي عام 1606 كان الهولندي وليم جانسز أول أوروبي يرى قارة استراليا. وفي عام 1770 اكتشف جيمس بروس معظم إفريقيا ورسم منابع النيل.. أما آخر الاكتشافات الجغرافية التقليدية فحدثت عام 1909 حين وصل روبرت بيري إلى القطب الشمالي برا!! .. ومايبدو لي أن زمن الرحالة العظام (أمثال ابن بطوطة وماركوبولو وكولومبس وماجلان) انتهى باختراع البوينج والأيرباص.. فوسائل المواصلات الحديثة لملمت أطراف الأرض وخلقت من (جميع الناس) رحالة أعظم اطلاعا وأسرع ترحالا ؛ خذ كمثال نيك باترسون المواطن الأمريكي الذي زار جميع بلدان العالم ماعدا كوريا الشمالية التي منع من دخولها عام 1972. وهناك سائح متفرغ يدعى جون جريجوري زار معظم الدول المشهورة ويقدم نصائح لزيارة العالم ب 25 دولارا في اليوم على موقع.artoftravel.com. حتى الدراجة الهوائية - ابسط وسيلة في المواصلات الحديثة - اتاحت قبل سنوات للفرنسي آلن غيني الدوران حول العالم في 7 أسابيع فقط! وكل هذا يؤكد أن (الجغرافية) علم دخل فعلا طور الاحتضار والوفاة. فالجغرافيا - كما نعرفها - علم ارتبط باستكشاف ودراسة تضاريس اليابسة؛ وبما أن معظم الأرض أصبحت معروفة للانسان أصبح من المقبول اليوم الحكم على نهاية الجغرافية.. فحتى ست مئة عام مضت كان نصف الأرض مجهولا لبني الإنسان، أما النصف الآخر فكان في معظمه فارغا وغير مأهول.. وحتى ستة آلاف عام مضت لم يكن سكان العالم يتجاوزن المليون نسمه أما اليوم فوصل عددهم الى سبعة مليارات.. وتشير آخر الدراسات الى ان البشر استوطنوا حاليا 83% من مجمل اليابسة واستغلوا 92% منها لاستخراج ثرواتها المعدنية. وحسب أطلس أكسفورد الجديد لم يبق مجهولا (ميدانيا وليس فضائيا) غير أجزاء قليلة من شمال آلاسكا وسيبيريا، والمرتفعات العليا في التيبت، والغابات الداخلية حول نهر الأمازون!! .. باختصار.. أصبح من النادر حاليا اكتشاف مناطق جغرافية جديدة أو مجهولة للانسان.. وحتى محاولة الاستكشاف عبر الأقمار الاصطناعية نزلت من عليائها وأصبحت متاحة لعامة الناس.. فبعد ظهور موقع جوجل إيرث (earth.google.com) أصبح بإمكان الجميع تفحص الأرض من الأعلى والبحث عن أي موقع يعتقد وجوده - بما في ذلك الشوارع والمباني والمدارس وقيعان البحار التي يتم مسحها بأجهزة السونار.. .. العجيب أيها السادة ليس فقط انتهاء الجغرافيا، بل وتقلص الكرة الأرضية لدرجة تفحصها على شاشة الآيباد!!