ننشر باختصار أحد الأحكام الصادرة من المحكمة والتي انتهت بالحكم بفسخ النكاح بسبب ثبوت النشوز والخصام من الطرفين وننبه أن هذا الحكم صورة من صور الحكم في قضايا النشوز ولا يعني أن كل القضايا تنتهي بنفس الحكم فلكل قضية ملابساتها ووقائعها المختلفة، وسيأتي في الأعداد القادمة إن شاء الله المزيد من الأمثلة والأحكام. الوقائع تتلخص وقائع هذه الدعاوى في ادعاء المدعية بأن المدعى عليه زوجها قد تزوجها ودخل بها ومكثت عنده مدة ثم خرجت من بيته وانتقلت إلى بيت أهلها منذ سنتين وأربعة أشهر وأنها تبغضه ولاتطيق العيش معه، وتطلب فسخ نكاحها منه. وأجاب المدعى عليه بصحة الوقائع التي ذكرتها وأن الزوجة لاتبغضه، بل هي مخببة عليه من قبل أهلها، ويطلب رد دعواها والحكم عليها بالعودة معه إلى بيت الزوجية. الإجراءات التي سلكها القاضي للحل قام القاضي بنصح الزوجة بطاعة زوجها والعودة معه إلى بيت الزوجية، ويحقق لها مايرضيها، إلا أنها لم تستجب، كما قام القاضي بنصح الزوج بمفارقتها على عوض تدفعه له، إلا أنه لم يستجب وأصرّ على إمساكها وعدم مفارقتها، ثم قام القاضي استناداً إلى قوله تعالى: (وإن خفتم شقاق أحدهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) النساء. بأمر كل واحد من الزوجين باختيار حكم من أهله، وقد تم اختيار كل واحد منهما حكماً، فاختارت الزوجة عمها، كما اختار الزوج عمه، وقد حضر الحكمان لدى القاضي وأفهمهما بواجبهما وأتياه بالجواب، ثم عادا بعد مدة وقررا أنهما لم يتوصلا إلى رأي موحد، وقرر حكم الزوج أنه لم يظهر له من حالهما ما يوجب الفرقة أو الجمع بينهما، وقال حكم الزوجة: أرى أن يفرق بينهما، وقد حضر الخصمان وجرى إفهامهما بما قرره الحكمان وأن عليهما اختيار حكمين آخرين فاستعد الزوج بذلك، وقالت الزوجة: لقد اخترت حكماً إلا أنه رفض المشاركة في التحكيم، وأطلب إنهاء القضية وقررت استعدادها لإعادة المهر وما يتبعه من حلي، وصادقها المدعى عليه على مقداره، ثم جرى إعادة نصح الزوجة بطاعة زوجها، فرفضت الاستجابة، كما أبى الزوج مفارقتها، كما جرت محاولة الصلح بينهما، فلم يحصل تجاوب منهما وتمسك كل واحد منهما بطلباته. الحكم وأسبابه وبدارسة القضية وتأملها، ولأن الزوج قد صادق على ترك الزوجة بيته ونشوزها عليه مدة تزيد على العامين، وأنه خلال هذه المدة قد خاصمها مطالباً إياها بالرجوع فامتنعت، وأنه خلال هذه المدة ما زال يطالبها بالرجوع تارة برسول يرسله، وتارة بنفسه، ورغم ذلك مازالت مصرة على نشوزها، وقد أمر الله بالإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان في قوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) "البقرة : 229" وقد تعذر الإمساك بالمعروف بنشوزها عن طاعته هذه المدة الطويلة، وبما أن بقاءها هذه المدة الطويلة ناشزاً ضرر عليها، وقد نهى الله عن إمساك النساء ضراراً، وعده من الاعتداء فقال تعالى: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا) "البقرة : 231" ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرر والضرار، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار) ولأن الخلع مشروع عند عدم الوئام بين الزوجين وخشية الضرر، لعموم الحديث السابق ولحديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: (جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتردين عليه حديقته؟ فقالت: نعم، فردت عليه، فأمره ففارقها)، رواه البخاري، كما أن بقاءها ناشزاً مع طول المدة أمر غير محمود عليه شرعاً؛ لأنه ينافي المودة والإخاء مع ما يترتب على الإمساك من المضار والمفاسد والظلم والإثم وما ينشأ عنه من القطيعة بين الأسر وتوليد العداوة والبغضاء، وبما أننا بذلنا الوسائل التي ربما تعود على الطرفين بالإصلاح ولم نتوصل إلى حل وبعثنا حكمين إلا أنهما لم يتوصلا إلى نتيجة، بناءً على ما سلف من أسباب فقد أمرت المدعى عليه بتطليق المدعية وترد عليه ما أصدقها وما أعطاها من ذهب، فامتنع عن ذلك، لذا فقد فسخت نكاح المدعية من زوجها المدعى عليه، وعليها أن ترد عليه ما أصدقها وما أعطاها من الذهب الذي تصادقا عليه آنفاً، وبذلك قضيت، وبتلاوة ذلك على الطرفين قرر المدعى عليه عدم قناعته بالحكم، وطالب بتمييزه وصدق الحكم من محكمة التمييز.(1) (1) عرض هذا الحكم معالي الشيخ عبدالله بن محمد بن خنين عضو هيئة كبار العلماء حالياً، القاضي بمحكمة تمييز الرياض سابقاً. مجلة العدل عدد 27 ص 220.