عاش الشعب الإيراني ثماني سنوات من حكم الرئيس أحمدي نجاد داخل أزمات متفاقمة، كل أزمة تستدعي أزمة أخرى، بفعل السياسات المدمّرة التي انتهجها مع المحيط الإقليمي ودول الخليج العربي والعالم، والتدخلات السافرة في شؤون الدول الأخرى، وإنتاج ملفات معقّدة وشائكة على كل الصُّعد الأمنية والاقتصادية والسياسية مع جيران إيران من دول الخليج وبعض الدول العربية، فأصبحت إيران بفضل هذه السياسات المتطرفة على حافة الإفلاس والانهيار الاقتصادي وتدهور الوضع منذ مطلع 2012 على وقع العقوبات الاقتصادية الغربية.. فتجاوز التضخّم رسمياً 30%، فيما انهارت قيمة العملة الوطنية بنحو 80% في عام ونصف العام، وأُغلقت كثير من المصانع الصغيرة التي يعمل بها ما بين خمسين إلى مئة عامل بسبب الكساد الإنتاجي، وأفلست المنشآت المحدودة، وتوسّعت دائرة البطالة لدى الطبقة المتوسطة؛ مما أحدث تمللاً ولو صامتاً أحياناً لدى الناس. كانت سياسات أحمدي نجاد تدفع بإيران نحو هاوية الانهيار الاقتصادي والمعيشي والحياتي، في الوقت الذي تنفق الدخول والموارد الإيرانية على مشاريع زعزعة استقرار دول في الخليج العربي، ودعم الحركات والمنظمات والأحزاب المتطرفة في لبنان والعراق وغيرهما، ونشر العملاء والمخربين والخلايا الإرهابية في أكثر دول العالم، والمحاولات البائسة لتفريس الطائفة الشيعية أينما تواجد أبناؤها، وفي كل هذا النهج النجادي كان الشعب الإيراني من يدفع الأثمان باهظة من رخائه، وقدرته على الحياة المنتجة والمتوازنة والسوية. وسط هذه الظروف الخانقة، والنفق الحياتي المظلم اختار الشعب الإيراني يوم أمس الأول الرئيس السابع له من الإصلاحيين المعتدلين بأمل أن ينقذ الاقتصاد الإيراني - وهو عصب الحياة - من انهياراته، ويدخل برامج إصلاحية تأتي بالاستقرار للناس، ويعيد النظر في السياسات المنتهجة مع الخليج والعرب والغرب بدءاً من التدخلات الفاضحة في الشأن الداخلي للدول وحتى البرنامج النووي الذي أثخن إيران بالعقوبات. ماذا عن دول الخليج، وعلاقات إيران معها..؟ الجميع يأمل في ترطيب الأجواء وتبريدها بين دول الخليج وإيران بمبادرة وفهم ووعي وحكمة من حسن روحاني.. إلا أن الآمال ربما لا ترقى إلى مستوى الطموحات إذا سلّمنا أن السياسة الخارجية الإيرانية تُرسم في مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، وتُدار منه مباشرة ومن الأجهزة الأمنية والنخبة الدينية المرتبطة به. في هذا قال مصدر خليجي رفيع للإعلام: "تعبير إصلاحي ومعتدل الذي يُطلق على روحاني، تعبير نسبي، وبالتالي فإن انعكاسات هذا التعبير على العلاقات الإيرانية الخليجية، قد تكون من الضآلة بحيث لا يمكن ملاحظتها". وأعاد المصدر إلى الذاكرة مرحلة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي وهو إصلاحي أيضاً، ومرحلة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني وهو إصلاحي كذلك.. وقال: "إن التغيير في علاقاتهما بدول مجلس التعاون خلال فترة رئاستهما لإيران لم يتجاوز إطار العلاقات العامة، والزيارات المتبادلة التي لم تنته إلى شيء يؤسس لعلاقة طويلة ومستقرة، هذا مع العلم أنه لم تكن في ذلك الوقت ملفات شائكة ومتفجّرة في علاقة الجانبين، كتلك التي تركها الرئيس محمود أحمدي نجاد لخلفه، والتي تهدّد بمواجهات سافرة بين الطرفين". ويحدد المصدر الخليجي هذه الملفات ويشير إلى أنها تشمل الملف السوري الذي باتت إيران متورطة فيه بشكل سافر، والملف العراقي، حيث تحاول إيران فرض هيمنتها على العراق وإضفاء طابع مذهبي على اللعبة السياسية هناك، هذا بالإضافة إلى القضايا المزمنة في علاقات الجانبين وتشمل ملف الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التي تحتلها إيران منذ العام 1971، والملف النووي الإيراني الذي تنظر إليه دول المجلس باعتباره خطرا أمنياً وبيئياً". والليالي حبالى.. والولادات ملتبسة.