كلّ شعب نال قسطه من الهبوط والصعود، إمبراطوريات قامت وسقطت، وعالم تغيّره الأحداث، لكن التحولات تأتي وفق نظرية «توينبي» في (التحدي والاستجابة) ولذلك خرجت ألمانياواليابان من الحرائق الكبرى لتبنيا أكبر إمبراطوريتين اقتصاديتين، والسر أن البنية الأساسية وكل ما تبعها أزيلت بفعل الحرب، وبقي الرأسمال الأكبر وهو إنسان تلك الأرض، الذي خرج من تحديات القوة العسكرية والأيدلوجيا الشمولية إلى عالم ما بعد الحروب.. الهند انفصلت عنها باكستان، ثم انفصلت عن باكستان بنغلاديش، ونجحت رغم الثقل السكاني، وأعباء الجغرافيا والتعقيدات الدينية والقومية، في أن تكون على قمة آسيا في المستقبل القريب والبعيد مع الصين بينما من انفصل عنها بقي داخل قوقعة العالم الثالث ينازع أزماته وتخلفه.. الصين كانت صورة بشرية هائلة، ولكن بقوائم كسيحة، لكنها لمجرد خلق البديل الاقتصادي، والإبقاء على النظام السياسي، كمرحلة، قد يتغير مع الأيام استطاعت بعد عدة عقود أن تصل إلى الحجم الثاني في الاقتصاد العالمي بعد أمريكا، وكلّ الدول الكبرى أو قارتي أمريكا الشمالية، وأوروبا ينظران لها بريبة، أي أنها ستحتل المركز الأول ليس فقط في إنتاج السلع المقلدة، أو ذات الجودة العالية، لكن بمراكز الأبحاث التي بدأت تسابق الزمن بابتكارات عصرية غير مسبوقة. كوريا الجنوبية، ومحيطها من النجوم الآسيوية تحولت إلى مراكز ثقل في الاقتصاد العالمي، وأصبحت تسابق الدول المتقدمة بمنجزات تفوقت جودةً وتقنيةً على أوروبا وأمريكا، وحتى الحاضن الآسيوي الأكبر اليابان، ولم تعد دول آسيا العالم القديم بمصطلح التاريخ، بل جاءت مزيجاً من الماضي والحاضر، والسر أن هذا الرابط استطاع أن يفتح اتجاهاً في التنمية جديداً، سواء بالقبول بالتحدي عندما أصبح منجز الفرد يتفوق على الأوروبي والأمريكي معاً، ثم الانفتاح على العالم البكر بالاستثمارات الهائلة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وحتى كندا، والأبعاد الجغرافية الروسية الهائلة، وهذا يعني أن تطويق الدول الأكثر تقدماً وغنىً بمحيط مجاور، ودخوله شراكة مع دول آسيا القديمة والجديدة، سوف يفرز عالماً قد يتجاوز العولمة إلى الكتل عابرة القارات عندما تجد قارتا أمريكا الجنوبية، وأفريقيا، ومنطقتنا العربية أن التوجه لآسيا قد يكون أهم في تحقيق المصالح من القوى التي تعاملت معها، وظلت على فوقيتها وعنصريتها.. التحولات الكبيرة، تحتاج إلى عقول ناجحة، وهذا ما يفتقده الوطن العربي، الذي تقمص التاريخ وجعله محوره فأصبح من العالم القديم الذي يعيش ماضيه منفصلاً عن حاضره، ومن يقرأ الواقع الراهن، لا يرى إلا اليأس من المحيط إلى الخليج العربي، وهي حقيقة، الظاهرة السلبية لأمة لا تزال خلف التاريخ وضد التطور، وهي قضية فصلتنا عن العقل إلى الغريزة التي أصبحت المحرّك لقوى اجتماعية، تشعل خصومات المذاهب والقوميات في حروب بدأت ولن تنتهي.