أنهى مركز سلطان بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية - سايتك - كافة استعدادته وتجهيزاته لاطلاق فعاليات برنامج صيف سايتك الثقافي 2013م الذي سينطلق اعتباراً من السادس من يونيو ويستمر لمدة شهر. كان من أبرز الإنجازات الأدبية للعصر العباسي الازدهار المفاجئ لأسلوب شعري ذي صبغة بلاغية غالبة وحديثة على نحو لافت للنظر، أُطلق عليه مصطلح البديع، وقد كان أبو تمام حبيب بن أوس الطائي الشاعر المدّاح الشهير في بلاط كل من الخليفة المأمون والمعتصم والواثق أكثر الشعراء المعصبين لهذا الشعر والمنافحين عنه. وقد كوفئ في حياته بسخاء على مديحه، لكنه في الأجيال التالية كان مستهدفاً من قبل نقاد الأدب المحافظين الذين كانوا يهاجمون شعر البديع الجديد بزعم أنه مُسرف في استخدام الأشكال البديعية، وأنه شعر مصطنع، وخارج على عمود الشعر العربي. وهكذا رفض النقاد شعر أبي تمام على أساس أنه مجرد افتنان بالأساليب البديعية. ومع ذلك فإن أحداً لا يُنكر تأثير أبي تمام العميق على كل الشعراء النابهين المتأخرين، كما لا تزال مختاراته: (الحماسة) التي انتقاها من الشعر العربي منذ أقدم عصوره حتى يومه هو، محل تقدير بوصفها أسمى تعبير عن التقليد الشعري العربي. ومع أن أحداً لا يُنكر مكانة أبي تمام في التراث الشعري العربي، إلا أنه كان أيضاً موضع جدل بين نقاد الأدب العربي المعاصرين، فهناك من احتفل واعتبره شاعراً حداثياً متميزاً بين أقرانه. ومن هؤلاء الشاعر أدونيس الذي يقول عنه حسين الواد (باحث تونسي) في كتابه (اللغة الشعرية في ديوان أب تمام) إنه لولاه لظل أبو تمام متدرجاً ضمن المتن الشعري وفقاً للغرض التعليمي في النقد القديم. وينظر الواد كذلك إلى أبي تمام واختياراته اللغوية في شعره من منظور الحداثة التي تمعن النظر في علاقة الشعر باللغة لتتخذ منها عديد المواقف، وخصوصاً في مسلك الشعراء الذين اشتغلوا بالتنظير مثل مالارميه وبودلير وفاليري. ولكن هناك من الباحثين المعاصرين من رفض مسلك أبي تمام كما رفض شعره بوجه عام. ومن هؤلاء الشاعر غازي القصيبي الذي ذكر في كتاب له عنوانه (بيت) أنه ليس لأبي تمام سوى بضعة عشر بيتاً فقط لا غير عبرت إلى زماننا الراهن، وأن باقي شعره لا قيمه له. ولكن عالم البحث والدراسات الأدبية العربية ما زال يُعنى بأبي تمام بدليل ظهور كتاب جديد عنه (عن المشروع القومي للترجمة بمصر) وضعته المستعربة سوزان بينكني ستيتكيفيتش أستاذة الأدب العربي والأدب المقارن بقسم لغات وحضارات الشرق الأدني بجامعة أنديانا بالولايات المتحدة الأميركية، وقد ترجمه إلى العربية حسن البنا عزالدين ، وأهميته تكمن في أنه يعيد النظر في أهم قضية أُثيرت في التراث النقدي العربي، أي قضية البديع وما أثارته من تجديد جذري في الشعر العربي تمثّل في شعر المحدثين في العصر العباسي. وتحاول الباحثة أن تلقي ضوءاً جديداً على إنجاز أبي تمام الشعري في كل من ديوانه وحماسته على السواء من خلال مفهوم جديد للبديع ومن خلال البنية الطقوسية للقصيدة البلاطية والعباسية ودورها في إضفاء المشروعية على الهيمنة العباسية أدبياً وثقافياً وسياسياً، وتصل الباحثة في نهاية دراستها (وهي أصلاً أطروحتها للدكتوراه) إلى أن أبا تمام من خلال عملية الفكر التحليلي والجدلي التي مارسها في ديوانه وحماسته، تمكن من أن يُبدع كذلك «قصيدة ما وراء القصيدة»، تُصَنِّف وتُفَسِّر في الوقت نفسه، التراث الشعري العربي! تورد الباحثة في كتابها رأياً هاماً في أبي تمام للباحث السوري عبدالكريم اليافي. فعنده أن الخاصة الكبيرة البارزة في شعر أبي تمام اعتماده على تغاير الحدود والتضاد. فتفكير أبي تمام قائم على مراعاة التضاد في أغلب الأمور. هذا التفكير يصح أن ننعته في العصر الحاضر بكونه جدلياً ديالكتيكياً. فهو في الشعر يجمع غالباً بين الأضداد والعناصر المتنافرة المتغايرة. ومن هذا المنطلق ينظر اليافي إلى شعر أبي تمام على خلفية تاريخية عقلية اجتماعية في عصر أبي تمام. تسعى الباحثة إلى إعادة تقييم الجدل الأدبي بين النقاد العرب القدماء حول أبي تمام والبديع. كما تحاول أن تلقي ضوءاً جديداً على إنجاز أبي تمام الشعري في كل من ديوانه وحماسته على السواء. فهذه الدراسة إذن تنظر إلى إنجاز أبي تمام الشعري بما هو «شعر على الشعر»، أو بما هو تفسير للشعر. ذلك أن هذا الشعر كان من ناحية مفتاحاً لفك شفرات التقليد الشعري لبادية الجاهلية أمام الخلفاء العباسيين المسلمين وأفراد حاشيتهم المتحضرين ورعاياهم من أهل المدن، كما كان هو نفسه، من ناحية مقابلة، شفرة جديدة تستوعب الخبرة العربية الإسلامية المعاصرة في الشكل الأدبي القديم، أي القصيدة. في جزء الكتاب الأول «أبو تمام والتقليد النقدي العربي» تحاول الباحثة إعادة تحديد مفهوم البديع بما هو انعكاس شعري للتطور المتسارع للعلوم اللغوية وعلم الكلام خلال حقبة هيمنة المعتزلة. ويظهر هذا الجزء كذلك أن شعر البديع في البلاط العباسي والحضري يكشف عن تغّير جوهري في وظيفة الشعر في مقابل وظيفة الشعر الشفوي في البادية العربية قبل الإسلام: أي أنه في حين كان هذا الشعر الشفوي المعتمد على الذاكرة يقوم بوظيفة «الديوان»، أو السجل للقيم والأعراف القبلية، فإن شعر البديع في العصر الكتابي كان يطرح وظيفة تفسيرية جديدة تتعلق بتأويل ذلك التراث القبلي الوثني لورثته من العباسيين المسلمين. ويتكون الجزء الثاني: «شاعر المديح في بلاط الخلافة» من قراءة فاحصة لخمس من قصائد المدح الكبرى في شعر أبي تمام، ويعرض هذا الجزء أولاً الدور الطقوسي الجديد للقصيدة البلاطية العباسية، أي إضفاء المشروعية على الهيمنة العباسية من خلال دمج التقليدَين الشعريين الجاهلي والإسلامي معاً، كما يعرض ثانياً كيف أنجز أبو تمام من خلال معالجته البنية الطقوسية التحتية لشكل القصيدة الكلاسيكية، تعبيراً شعرياً عن السيادة الإسلامية العباسية التي كان لها أثر كبير في استيعاب الشعر الجاهلي القبلي الطقوسي من جديد ضمن نموذج أكبر من طقوس الشرق الأوسط القديمة عن الملكية المقدسة. ويحلّل الجزء الثالث: أبو تمام والحماسة، البنية الشكلية لهذه المختارات في علاقتها بطرق تصنيف كل من كتب الحديث النبوي والمختارات الشعرية الكلاسيكية، وينتهي إلى أن حماسة أبي تمام، على العكس من المختارات الشعرية التي صنّفها اللغويون مثل المفضليات والأصمعيات، هي عمل ما وراء شعري، وليست مجرد تسجيل وثائقي للشعر. وتعني عبارة «ما وراء شعري» في السياق الراهن، أن أبا تمام من خلال عملية الفكر التحليلي والجدلي نفسها التي مارسها في ديوانه، تمكَّنَ من أن يُبدع كذلك «قصيدة ما وراء القصيدة» في حماسته، تُصَنّف وتُفسَّر في الوقت نفسه التراث الشعري العربي. والكتاب بوجه عام محاولة للتعامل مع الشعر والشعرية في العصر العباسي من خلال دراسته المعمقة لإنجاز أبي تمام الشعري، ولكنه، كما ذكر المترجم في مقدمته له، لا يحيط بالدراسات النقدية العربية الحديثة عن أبي تمام، ذلك أنه بعد دراسة سوزان بينكني ستيتكيتيش صدرت دراسات أخرى عن شاعر البديع أبي تمام. أدونيس