كثيراً من لغة الخطاب السائد في أعلامنا لاسيما (الشق الرسمي منه) يخضع للغة مستجلبة من دفاتر وأضابير الدواوين العتيقة، عندما تثقل الأخبار بالديباجات الطويلة والصيغ المستهلكة وازدحام المفردات التي تجعل الجمل والتراكيب فضفاضة فتفتقد لغة الخبر الخفيفة البرقية المتوثبة، التي تطمح إلى ان تختزل كماً كبيراً من المعلومات في أقل قدر من المفردات فلا تحتمل التفخيم والصنعة البديعية في ثنايا النص لأن اللغة الإعلامية هي على الغالب نفعية إخبارية تنشد الدقة والموضوعية إلى جانب تقديم الجديد والمدهش الذي يستقطب انتباه المتابع، وفي نفس الوقت مصاغ في قوالب متاحة لشريحة كبيرة من المتلقين. ولعل حضور لغة ديوان الرسائل في أعلامنا يعود إلى عدة أسباب منها: - عدم استقلالية الإعلام كسلطة رابعة، فكون الإعلام جزء من المؤسسة الرسمية فهو بالتأكيد سيتحول إلى مكتب علاقات عامة، بشكل قد يصنع فجوة ذهنية تفصل بين الخبر ومصدره، عندها بات المتلقي يلجأ لقنواته الرسمية فقط عند المناسبات الكبرى لمعرفة بدايات المواسم الدينية، أو عند إعلان إجازة دراسية بعد غيمة لعوب ممطرة تمر بأحياء وشوارع المدينة. - أيضاً أحياء وشوارع المدينة طبيعة الخطاب الإعلامي السائد لدينا خاضع للشكل الهرمي لذا يصبح عندها الخطاب المتصعد من أسفل إلى أعلى يحرص على أن يرتدي حلة من الألفاظ والمنمنمات والمزركشات والتبجيل التي يجب أن تليق بالمقام المطلوب وتتأدب في حضرته. - رغم أننا قادمون من خلفية فكرية يغلب عليها الطابع الصحراوي المتقشف البعيد عن ثقل وزركشة البروتكولات المدنية والبلاط، حيث المذهب الحنبلي يستريب ويبتعد عن التعقيد والأفكار الباطنية المعقدة، ولكن يبدو أن الإعلام قد تسربت إليه وأصيب بتلك التعقيدات، وأصبح هناك برتوكول يوظف لغة فضفاضة مثقلة، إلى درجة أن المؤسسة الدينية قد تضطر لأن تصنع بعض الكوابح في هذا المجال. فالأسبوع الماضي مثلاً أنكر بعض شيوخ الدين على أحد الكتاب إسرافه في استعمال صيغ التبجيل والتعظيم في مقال أوصله إلى حد الشطط.. ولكن على الرغم من هذا كله تظل لغة الخطاب الإعلامي الرسمي تشكو من صيغ وكليشيهات تعجز أن تخرج منها على الرغم من تقاطعها مع مهنية الإعلام الحديث. - نحن أمة لغوية هائمة بين المفردات، وأذكر عندما كنت أعمل في الإدارة كان يوجد صيغة رسمية واحدة بديباجة قل ماتتغير نستعملها في مخاطباتنا، بينما تكون الفحوى أو اللب أو مايسمونه (زبدة الموضوع) أسطر بسيطة في الخطاب. - أخيراً نحن لم نثق بلغة الأرقام بعد، فالمسؤول لايهمه ثقل الديباجة، والفضفضة اللغوية، التي يحاصر بها حينما تمر مناسبة فتأخذ صفحات كاملة في الصحف، أو أنها تعلق على يافطات وواجهات المدن التي يتفقدها، المسؤول ببساطة بحاجة إلى لغة الأرقام، لأنها هي أكثر اللغات استقلالية وحيادية هو يهمه، متى سيكون نهاية العقد مع المناقصة أكثر من خطابات حفل الاستقبال وقصائده. ديوان الرسائل كان منجزاً عظيماً في تاريخنا القديم فهو الذي نقلنا من المرحلة الشفوية إلى.. استقرار التدوين، ولكن أن نظل إلى يومنا هذا نستحضره في خطابنا الإعلامي الرسمي.. فهو أمر بحاجة إلى إعادة نظر.