دق حزب الله في معركة القصير إسفيناً عميقاً في علاقات لن تبرأ جراحها بسهولة. تتعرض المنطقة اليوم لفرز واستقطاب طائفي صارخ وقوده ضخ المزيد من مرارات التاريخ الملغوم، وكربلاء الجديدة ستحرض على مزيد من الثارات كلّ محاولة للتغاضي عن أو التهوين من جريمة حزب الله في مهاجمة القصير أو محاولة تبريرها، لن تكون سوى إعلان عن موت الضمير وصوت الحق. الشعارات المخادعة لم تعد ذات فاعلية، إلا لمن لازال يؤجر عقله وضميره رضاً واختياراً، أو مصلحة وانحيازاً. ومن قبيل المفارقات أن تتجسد اليوم المقاومة والممانعة في أحرار سورية المدافعين عن حق السوريين بالانعتاق من قبضة القاتل المستبد.. بينما يتحول حزب الله بالتحالف مع نظام الاسد والنظام الايراني حيث موقع المعتدي والمحتل. ومن ينكر على الثوار اليوم أنهم في مواجهة تحالف سياسي/ طائفي/ استراتيجي لصناعة بيادق متقدمة من دويلات طائفية تتحرك بامتداد القوس من طهران إلى بيروت. الحالة السورية ربما تكون أعظم جريمة في القرن الحادي والعشرين، ليس فقط في عدد ضحاياها ومهجّريها ومعذبيها، ولكن بحجم التجاهل الدولي والحقوقي وجماعات الضغط والمنظمات الدولية التي تركت هذا الشعب يواجه مصيره ويقلع وحده شوكه بيده..على الرغم من اختلاف حجم الموازين والقوى والتحالفات.. وليتهم تركوه، إنهم لازالوا يعملون لإضعافه والسيطرة عليه من خلال البحث عن ترويج صيغة سياسية تعيد القدرة على انتاج نظام الأسد من الداخل وتعوق محاولة بناء سورية على أسس جديدة. لم يجد غضاضة أن يقول الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي أفرايم هاليفي في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تحت عنوان "رجل إسرائيل في دمشق": إن بشار الأسد هو رجل تل أبيب في دمشق، وإن إسرائيل تضع في اعتبارها منذ بدأت أحداث الثورة السورية أن هذا الرجل ووالده تمكّنا من الحفاظ على الهدوء على جبهة الجولان طيلة 40 عاما. وبحسب الرئيس السابق للموساد فإنه في الوقت الذي أكدت فيه إسرائيل عبر غارتها الجوية الأخيرة على المواقع السورية بأنها لن تسمح بانتقال الأسلحة من سورية إلى لبنان، فإنها اتصلت بنظام بشار الأسد عبر قنوات سرية وأخرى علنية أبلغته من خلالها بأن "إسرائيل مصممة على البقاء محايدة في الحرب الأهلية السورية"، مشيراً الى أن هذه الرسائل الإسرائيلية وجدت آذاناً صاغية في دمشق، ولذلك اكتفت باستنكار الغارات الإسرائيلية على لسان مسؤول متوسط المستوى في الخارجية السورية. هؤلاء الذين لا زالوا يكررون بغباء أو خبث حجم المؤامرة على النظام السوري من الولاياتالمتحدة وإسرائيل لا يريدون أن يعترفوا بعد ان انكشف ما كان يجري في الخفاء أن نظام الاسد صنع على عين القوة الدولية النافذة بالمنطقة. جاءت حرب 1973 القصيرة لتمكن حافظ الاسد من توسيع نفوذه لدرجة الاطباق على سورية، وهو يدير بقبضة المافيات وأجهزة الاستخبارات المتعددة والمؤامرات والتحالفات الخفي منها والظاهر عمليات تستهدف ترسيخ سلطة العائلة/ الطائفة للابد.. وإن كانت الوسيلة حزب البعث الذي لم يعد له أثر، وكأنه خلال أربعين عاما لم يكن سوى شبح يستعاد في مناسبات ميتة، مثله مثل مومياوات الجبهة الوطنية. لماذا لا ترى الإدارة الأمريكية وحلفاؤها الاوربيون في حزب الله، كما ترى في جبهة النصرة التي اعلنت في وقت سابق ولاءها للقاعدة؟ لماذا يتم تكبير وتعظيم دور جبهة النصرة وتوفير مناخ من المخاوف من سيطرتها على الوضع في سورية للحيلولة دون وصول سلاح نوعي للمعارضة السورية.. على الرغم من ان هناك كثيرا من المعلومات المتضاربة حول حقيقة نفوذ وقدرات ما سمي بجبهة النصرة.. وهي مثلها مثل التنظيم الذي تنتمي إليه يختلط فيه الحابل بالنابل.. وربما تكون مخترقة من أجهزة استخبارات عدة، وليس من المستغرب أن تكون استخبارات نظام الاسد إحداها.. كجزء من متطلبات مرحلة خلط الاوراق في عملية زرع المخاوف وتعظيمها من النصرة او سواها من جماعات الاسلام السياسي المقاتلة في سورية؟! لماذا لم يتعرض الحزب للضغط الدولي، وهو يتدخل بطريقة سافرة لدعم النظام السوري ويواصل عملية قتل السوريين بآلة الدعم المادي والعسكري الايرانية وانطلاقاً من لبنان دون إنذار او تحذير أمريكي او اوروبي لوقف هذا الزحف غير المقدس؟ لم تعد جثامين قتلى حزب الله اللبناني سرا، وإن حاول الحزب التحفظ على عدد قتلاه، لكن أصوات النائحات في الضاحية الجنوبية أعظم صدى من تحفظات قيادة الحزب. ولم تكن تلك الصورة التي نشرت لما يعرف بحزب الله العراقي لتشييع بعض قتلاه في جنوب العراق الذين وقعوا أثناء مشاركتهم في الحرب على الثوار السوريين في مؤازرة النظام سوى جزء من مشهد لازالت تفاصيل كثيرة فيه تحتاج المزيد من الوقت لتظهر للعيان. ما الذي يدفع بعض أبناء شيعة جنوب العراق للمشاركة في الحرب على شعب ثار تحت سياط الطغيان، ولم يطلب سوى أن يحيا كغيره من الشعوب؟ ما الذي جعل الحرية التي يتغنى بها حزب الله ليل نهار ممنوعة على اولئك الذين يريدون ان يحرروا بلادهم من سلطة لم تذقهم سوى البؤس والحرمان ولم تنجح سوى في زرع الخوف والقتل والاغتصاب والهدم والدمار.. إنه الاسترقاق الطائفي والتربية الطائفية التي جعلت من مقاتلي حزب الله الاكثر بأسا على السوريين المقاتلين دفاعا عن حريتهم التي يدفعون في سبيلها ثمنا باهظا يفوق طاقة البشر. دخول حزب الله على خط المواجهة سيدفع لمزيد من الاصطفاف الطائفي في المنطقة، وسيدفع هذا بدوره أفراداً وجماعات من السنة لتقاتل إلى جانب السوريين من بني عقيدتهم ودينهم.. الفرق ان هؤلاء يقاتلون نظاما أجمع العالم كله على بشاعته ودمويته وإسرافه في القتل والتدمير في سبيل أن يبقى، ولا يعنيه ألا ان تظل سورية رهينة في يده ضمن لعبة أممية تدعمها تحالفات اقليمية ودولية.. ولتبقى الطائفة وقود الحرب وحطب النار التي ستحرق الجميع في أتونها. بينما اولئك تم جرهم إلى حرب غير مقدسة لا تعني لهم سوى الانتصار لوعي الطائفة في مقابل تضخيم وحشد وتربية تجعل الآخر المختلف طائفيا العدو الاخطر والاكبر في حلقات الصراع الآنية والقادمة !! دق حزب الله في معركة القصير إسفيناً عميقاً في علاقات لن تبرأ جراحها بسهولة. تتعرض المنطقة اليوم لفرز واستقطاب طائفي صارخ وقوده ضخ المزيد من مرارات التاريخ الملغوم، وكربلاء الجديدة ستحرض على مزيد من الثارات. لا تخشى إسرائيل من حزب الله على أمنها بذات الدرجة التي لا تخشى من رجلها في دمشق. لقد قصّت أجنحة الحزب منذ تموز 2006، وأصحبت القوات الدولية في جنوب لبنان تحرس شمال إسرائيل. قدمت حرب تحرير جنوب لبنان عام 2000 للحزب - كما هو مخطط له- مشروعية السلاح فأصبح بحكم الامر الواقع الدولة الاقوى داخل الدولة الاكثر هشاشة بالمنطقة.. صُنع الحزب على عين النظام الايراني ونظام الاسد الأب. حزب عقائدي مرتبط عضويا وماديا ومعنويا بولاية الفقيه. استثمره نظام الاسد الاب في مواجهة بحر من القوى الرافضة في لبنان، واليوم يقاتل للإبقاء على حياة النظام الحليف الذي دونه ينقطع حبل السرة الذي يمده بالقدرة على البقاء!! الهاجس الطائفي جمع الفريقين. والتحالف الاستراتيجي وحّد الهدفين. لم يكن الاسد ليورث ابنه حكم سورية لولا إدراكه انه صنع له بهذا الحلف ما يوفر له الحماية.. ولم يكن يدور بخلده ان السوريين سيثورون ويدفعون كل هذه الاثمان الباهظة في وجه نظام الابن. ضحى حزب الله بورقة المقاومة التي استثمرها طويلا.. عندما ارتضى أن يكون مشاركاً في جريمة الاخضاع.. وقد تكون هذه اول تداعيات سقوطه وانهيار أحلام رعاته.