التكريم بطبيعة الحال هو شكر رمزي وليس رداً للجميل. لا يمكننا أن نرد الجميل لغازي القصيبي أو عبدالله الطريقي أو علي النعيمي أو أي قائد إداري محنك. والعزاء أن هؤلاء الكبار لم ينتظروا التكريم من أحد، ولا جزاءً وشكوراً من أحد. غازي القصيبي رحل وهو يخاطب حبيبته في قصيدته الشهيرة"حديقة الغروب" ويقول فيها: وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكن بَطَلاً لكنه لم يقبّل جبهةَ العارِ! لكنه كان هو وغيره من رواد الإدارة والتأسيس الإداري بالسعودية من الأبطال. هذا بالنسبة للكبار، لكن الصغار أحوج إلى التكريم لأنهم في بداياتهم، وهم ضمن إطار الإنجاز وفي بدء الطريق. هذا ما لفتني وأنا أقرأ خبر تكريم طفلة! يقول الخبر العجيب:" (مجد محمد عسيري) طفلة في العاشرة من عمرها بالصف الرابع الابتدائي بالمدرسة السابعة عشرة الابتدائية بالطائف، موهوبة في مجال اللغة الإنجليزية تتحدثها بطلاقة وبلكنة أمريكية جلية. ساعدها والدها على تطوير موهبتها وتنميتها وقطع بها خطوات في طريق الألف ميل وأنشأ له أكاديمية مصغرة في بيتها تقوم فيها بدور المعلمة/ المدربة لمجموعة من الأطفال في سنها من أبناء وبنات جيرانهم"!! كل هذا الجهد من هذه الفتاة الذكية كرمت عليه ب100 ريال ! قسيمة من إدارة الموهوبين كان فقط 100 ريال، ولئن صح الخبر بتفاصيله كلها فإننا حقاً لا نرحب كثيراً بالإبداع كما يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي الذي يعتبر المجتمع طارداً للإبداع ومحارباً له. ومهما كانت هذه الرؤية متشائمة غير أننا بالفعل لا نعرف كيف نكرم من بدأ الإنجاز ولا من أنهى الإنجاز. طفلة صغيرة في عز شوقها واندفاعها نحو الفاعلية الاجتماعية تواجه بهذا الزهد من إدارة الموهوبين التي تصرف عليها الدولة مبالغ كبيرة. ما الذي يجري بالفعل؟! هذه الفتاة تستحق الدعم المادي أيضاً وأن يُتبنى مشروعها، وهذه المئة ريال ليست تكريماً وإنما فضيحة حقيقية. تخيل هذه الطفلة بنتاً لك وقد تطلعت وتشوقت إلى ردة فعلٍ رسميةٍ مختلفة وباهرة ثم يأتونها ب100 ريال. "مجد" طبعاً لديها جهاز آيباد وجهاز كمبيوتر محمول وهي ليست بحاجة ووالدها يدعمها فهي غنية عن المعطين، لكن غناها لا يعفي إدارة الموهوبين من المسؤولية أبداً فهذا واجب والمؤسسة حكومية والمال من الدولة ومن خزينة الدولة التي تصب للمجتمع، والمبدع أولى بالعطاء والدعم فهو شجرة تثمر للجميع.