يعرَض في إحدى القنوات الفضائية برنامج حواري اسمه "بمئة راجل" تقدم من خلاله نماذج لنساء تحدين الصعاب وتحملن المسؤولية في ظروف صعبة. فكرة البرنامج جيدة من حيث إن هؤلاء النساء يقدمن أمثلة ناجحة يحتذى بها، وينرن بذلك الطريق للأخريات، ولكن لماذا ينطلق البرنامج من فكرة المقارنة بالرجل والتفوق عليه ؟ هذا الربط المستمر بين قدرات الاثنين يتضمن شعورا بالنقص ومعاداة للرجل، مع تبعية لا إرادية له في الوقت نفسه، وكأن المرأة ضد نفسها، لأن إلحاحها على إثبات نفسها يعبر عن قلق وعدم ثقة، وقد يؤدي إلى الشك في قدرتها والانتقاص منها، بينما مضيها قدما دون توقع الإقرار بتميزها يزيد من احترامها. المرأة ليست كائنا ضعيفا مسلوب الإرادة إلا إذا اعتقدت ذلك بفعل الثقافة التي تحاول إضعافها وتصويرها بهذه الصورة، هي إنسانة مساوية للرجل ومتكاملة معه ولكنها بطبيعة مختلفة، ولا يمكن أن تكون امرأة واحدة بمئة رجل، ولكن يمكن أن تكون كأي إنسان لها شخصيتها القوية المؤثرة. لا شك أن هناك قيودا كثيرة ظالمة تعرقل المرأة، يجب أن تزال بالتثقيف وبقوة القوانين، ولكن المشكلة الأصعب عندما تعرقل المرأة نفسها وغيرها بفكرها وشعورها بالضعف. قوة المرأة يجب أن تنبع من ذاتها، من إيمانها بحرية الإنسان وتحمله مسؤولية أفعاله، من قناعتها بأنه لا تفاوت بين قيم الرجل والمرأة، من اختياراتها في الحياة، إن أرادت العمل فلتعمل، وإن شاءت أن تنصرف لزوجها وعائلتها فليكن، المهم أن يكون ذلك بإرادتها، إذا تعلمت ونالت أعلى الدرجات العلمية فلنفسها، ولا تتوقع أن يشار إليها بالبنان، إذا طالبت بحقها فعليها أن تطرحه بثقة وموضوعية، ولا تنتظر أن يقوم شخص ما بالتعبير عما تريد، وفي الوقت نفسه عليها أن تساند غيرها رجلا كان أو امرأة في نيل حقوقه. عندما ننظر إلى المرأة السعودية نجدها ساهمت في البناء، تعلمت واجتهدت وحققت الكثير، ولكنها بحاجة لأنْ تكون أكثر ثقة وصدقا وانسجاما مع نفسها، قادرة على الموازنة بين متطلبات المجتمع وتقاليده، وبين استقلالية فكرها، منخرطة بعمق في قضايا وطنها ومشكلات مجتمعها، ممتلكة للوعي السياسي والثقافي والتاريخي الذي يؤهلها للقيام بدورها الإصلاحي، حتى يكون حضورها واضحا وفاعلا في كل موقع تكون فيه. وبمناسبة الحديث عن النماذج المشرفة للمرأة، سأختم مقالي بقصة مؤثرة ترويها كتب التراث عن المرأة العاقلة، هي قصة بهيسة بنت أوس بن حارثة " أنه عندما أخذها زوجها الحارث بن عوف من ديار أهلها وبلغ حماه، كانت حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان قد اشتدت نارها، فلما بصرت بزوجها مرتدياً لباس العرس قالت : والله لقد ذكرت من الشرف ما لا أراه فيك. قال: وكيف؟ قالت : أتفرغ للنساء والعرب يقتل بعضها بعضا!!قال : فيكون ماذا؟ قالت : اخرج إلى القوم فأصلح بينهم، ثم ارجع إلى أهلك فلن يفوتك ما تريد. فخرج لساعته إلى صاحبه خارجة بن سنان وقص عليه حديث امرأته، فقال خارجة : والله إني لأرى همة وعقلا. قال :فاخرج بنا، فخرج الرجلان فمشيا بين القوم واحتملا ديات قتلاهم، فكان ما نزلا عنه ثلاثة آلاف بعير في ثلاث سنين..".