اللغة العربية من اللغات الحية التي لها عمق تاريخي وعقدي أكسباها ميزة التنافس مع نظيراتها في عصر التقنية الحديثة والمعلومات . فهي لغة شرفها الله عز وجل بنزول القرآن على حرفها مما أسهم بشكل واضح في بث الحيوية فيها عبر السنين وحديثي المقدم هنا سيكون حول مدى تأثير استخدامات بعض شبابنا لمفردات اللغات الأجنبية وتضمينهم لها في أحاديثهم وعند تواصلهم مع غيرهم على لغتهم الأم، ولعلنا نقوم هنا بطرح شيء حول هذه الظاهرة نتعرف من خلاله على المسببات التي هيأت لهذه الظاهرة هذا بالظهور وبشكل متسارع وبيان ما يمكن عمله لاحتواء تناميها المطرد لنحفظ هويتنا اللغوية ونترك إرثا لأبنائنا يفخرون به ويعتزون بذكره غدا. فظاهرة تضمين المفردات الأجنبية أثناء الأحاديث أصبحت دارجة في أواسط شباب هذا الجيل إما على سبيل الرفاهية والموضة أو على سبيل شيوعها كلغة سهلة معبرة عن ثقافة الجيل واحتياجاته، حيث أصبحت هذه الظاهرة يلاحظها جميع من يتواصل مع بعض شباب هذا الجيل بصورة تقل وتكثر من فئة لأخرى ولكنهم في المجموع منجذبون لتلك المفردات. ولعل مما أسهم في هذا الانجذاب البرامج التلفازية الموجهة للشباب والتي تبرز فيها استخدامات المذيعين والمقدمين لهذا الأسلوب متعللين بأنها اللغة الأقرب لعقول وفهم الشباب، ومما ساعد أيضا بزوغ فجر التقنية الحديثة ونموها المتسارع الذي لا يغفل دوره المؤثر في أواسط هذا الجيل من الشباب، حيث إن هذه التقنيات تستلزم أسلوبا يعرفه الشباب ويسهل عليهم التعامل معها لتحقيق الهدف الربحي المنشود في ظل التغييب التام للأسلوب اللغوي العربي الخالص الذي يتأففون من استخدامه تحت ذريعة صعوبة مفرداته وصياغته كما يتوهمون وهناك أيضا ما يسمى بثورات الربيع العربي التي قاد ثورتها شباب هذا الجيل حيث استخدموا عند حديثهم هذا التضمين للتعبير عن رغباتهم وانتماءاتهم مضيفين لها ظاهرة أخرى تسمى ب( العربيزية) تستخدم عند الكتابة لمن يرغب بالتواصل والتعبير عن مشاعره وشعاراته ورغباته وحقوقه لأنها في نظرهم أسهل وأسرع للتواصل والفهم من لغتهم الأم. ولعلنا نعرج هنا على تبسيط ميسر لمفهوم (العربيزية) قبل الاستطراد في موضوعنا حيث يمكن القول إنها مزاوجة كتابية بين أحرف وأرقام اللغة الانجليزية لصياغة معان ومفردات خاصة باللغة العربية أو اللهجات العامية بين أبناء اللغة العربية أو للتواصل مع من سكن أراضيهم أو اتصل معهم بشكل أو بآخر فظاهرة (العربيزية) ليست بمنأى عن ظاهرة التضمين السابق ذكرها بل هما توأمان سياميان لا يمكن فصلهما وعودا لموضوعنا يبقى السؤال! أين هم رواد اللغة العربية علماء ومربين ومهتمين؟ وأين دور وزارات التعليم والثقافة والإعلام؟ عن هذا المد الذي استولى على ثقافة شبابنا مما تسبب في عزلهم عن ثروتهم اللغوية التي صورة لهم كعقبة يصعب تجاوزها مما خلق شعورا إقصائيا لديهم نحو لغتهم الأم تطور مع تقادم الأيام حتى أنهم أصبحوا لا يرونها إلا لغة خطابات تختص بالإعلام والسياسة ليس لها علاقة بالحياة اليومية المعاشة ومتطلباتها، فهؤلاء الجيل هم أباء الغد ورواده - بإذن الله - فكيف سيكون الحال مع أبنائهم إنهم بقوا على ما هم عليه الآن من شبه انسلاخ لغوي مريب. إذن لا بد من تدارك خطر زحف هذه الظواهر وغيرها، ولعلنا ننطلق من هنا لطرح بعض الرؤى التي قد تسهم في إيجاد حلول ناجعة لما دهيت به لغتنا. حيث إن خلق جوانب حوارية استماعية مع الشباب لمعرفة المعوقات التي يرونها أمامهم وتحجب عنهم المقدرة للتعاطي مع لغتهم الأم وأسباب عزوفهم عنها وما هي دواعي تعلقهم بما يفد عليهم من مفردات اللغات الأجنبية الأخرى تعد بداية جيدة نحو الحل، فشبابنا للأسف لا يُسمع لهم بل تكاد طرق تواصلنا معهم تنحصر بين أسلوبي الأمر والنهي. ومن الحلول أيضا وضع برامج علاجية تتبناها الوزارات المعنية بالشباب كالتعليم والإعلام والثقافة والاتصالات عبر بث الرسائل والبرامج التحفيزية الجاذبة الموجهة لفئة الشباب لتعزيز روح المحافظة على موروثهم اللغوي الأصيل وغرس بذور الاعتزاز به في نفوسهم. أما على المدى الطويل فلابد من إرداف تلك البرامج بمخططات تطويرية واضحة قابلة للتجديد تستهدف الناشئة وتسعى لتوعية الأسر وسائر أفراد المجتمع حول أهمية اعتزازنا بالهوية اللغوية للأمة العربية ولغة القرآن الكريم، ولعل الاستعانة بخبراء ومدربي فنون بث الروح الإيجابية خطوة مهمة نحو تحقيق هذا الهدف. أما الجانب الأسري فدوره المتوقع يكمن في ضرورة إحيائه لصوت اللغة داخل المنزل من خلال إسماع الناشئة للغتهم عبر قراءة القرآن لهم وترديد القصص المبسطة معهم بين الحين والآخر طمعا في إبقاء صدى لغتنا في محيطنا ولتأنس بها المسامع. أما بالنسبة للشباب فياحبذا لو تم إيجاد مكتبة مصغرة في مكان بارز داخل البيوتات تجمع عنوانين جاذبة حول التقنية وعلوم الفضاء والاتصالات مما قد يغريهم بالمطالعة وأيضا محاولة ترغيبهم في أن تكون رسائلهم التواصلية عبر أجهزة التقنية الحديثة مع أفراد الأسرة بلغة عربية خالصة، فاللغة تحيا بأهلها الذين يعتزون بها ويثقون بقدراتها ومن خلال استخدامهم لها في شؤون حياتهم المختلفة. ومما يستأنس بذكره قبل الختام دعوة لتذكر زمن جميل كان يبث فيه برنامج لغوي تعليمي كان يسمى بالمناهل كانت تقدمه القنوات العربية في حقبة الثمانينات وما كان له من أثر جاذب لتعلم اللغة ومفرداتها لدى أبناء تلك الحقبة حيث كان يعرض مادته بأسلوب ماتع مبسط يلفت الانتباه دون تكلف أو تقعر منفر. وختاما نقول لابد من استشعار الأمر كهم على الصعيد الشخصي والأسري والمجتمعي حتى توجد فينا رغبة التصحيح والمعالجة والعمل لأجل ذلك.