اختتمت الأيام الثقافية السعودية مؤخرا فعالياتها في جمهورية قرغيزستان بعد أن أثارت حراكا ايجابيا وقدمت صورة متعددة الأبعاد عن المملكة تراثا وثقافة وحضارة، ولعل أهم ما حققته هذه الأيام المتنقلة هو خلقها جدلا مثمرا وإثارتها أسئلة عن المملكة ما كان مجالا لتعريف الجمهور القرغيزي بالقيمة الحضارية والتاريخية للوطن، كما كانت فرصة سانحة لإزالة بعض الانطباعات المبالغ فيها أو الصور التقليدية عن المجتمع السعودي، الأمر الذي كان واضحا في استطلاعنا لآراء كثير من زوار المعرض الثقافي أو حضور الفعاليات الفنية الذين فوجئوا بالتراث العريق والمتنوع في المملكة. المساجد القرغيزية بلا مصاحف..ودعاء الإمام يوقف الحركة غير أن اثر هذه الأيام الثقافية ليس باتجاه واحد فقط إذ أنها فرصة أيضا للاقتراب من ثقافة وحضارة الجمهورية القرغيزية وتلمس فرص التواصل بجميع مجالاته حضاريا وسياسيا واقتصاديا، وقبل ذلك دينيا في جمهورية إسلامية كقرغيزستان . (دين حي في القلوب) تبلغ نسبة المسلمين في قرغيزستان 80 %ويتبعون المذهب الحنفي، ستجد الانتماء الإسلامي ماثلا في سلوك القرغيزيين في أمور عدة كإلقاء السلام وحمل السبح وسيبدو لافتا أن ترى فتاة غير محجبة بينما تحرك بأناملها حبات سبحة تحملها، ورغم عمق الحس الديني لدى مسلمي قرغيزستان إلا أن معرفتهم الدينية والفقهية تظل محدودة في نطاق ضيق جراء عقود الكبت الديني الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، الأمر الذي يظهر أهمية تعزيز النشاط الدعوي في الجمهورية عبر إرسال البعثات والدعاة وتنظيم المحاضرات الدينية لتفقيه الشعب القرغيزي بدينهم بمشاركة دعاة من قرغيزستان،ومن آيات الصحوة الإسلامية القرغيزية بعد العهد الشيوعي ان تجد السواد الأعظم من مرتادي المساجد هم من الشباب اليافع الذين تأثر كثير من أبائهم بما كان شائعا في الحقبة السوفيتية من إهمال للدين والعبادات، وسيدهشك أن لا تجد في مساجد البلد نسخا من القرآن الكريم إذ أن من صميم تقاليد المسلمين القرغيزيين ان يحملوا مصاحفهم معهم إلى المسجد، من العادات القرغيزية أيضا ما يعقب صلاة الجمعة من دعاء الإمام اذ ستجد كثيرا من المشاة قرب المسجد وقد تقرفصوا على الأرصفة أو الطرقات رافعي كفوفهم ومؤمنين خلف الإمام. العروض الفنية اثارت اهتمام المشاهدين (بين نهر وجبل ) «أهلا وسهلا وجبلا»..هذا ما يستقبلك به المواطن القرغيزي، وهي عبارة تعبر عن الطبيعة الجغرافية للبلاد التي تقع بين سلستي جبال تيانشان شمالا والايسكي جنوبا فيما تستوي المناطق الوسطى من قرغيزستان سهولا تصب فيها مياه الثلج الذائب الهابط من الجبال مكونا انهارا وبحيرات طبيعية خلابة، حول هذه الأنهار والسهول المعشبة تقوم فنادق ومنتجعات ومطاعم متنوعة، ستحظى بتجربة رائعة لدى زيارتك احد هذه المطاعم حيث تستطيع أن تهبط إلى ضفة الينبوع الجاري وتغرف بيديك من مائه العذب شديد البرودة بينما ترى الخيول البرية تسرح في الأرجاء، وان صادفت زيارتك شهور الصيف فستستمتع بالطقس البديع نهارا قبل أن يميل الهواء قليلا للبرودة بغروب الشمس..وهي -لحسن الحظ - لا تغرب سريعا في قرغيزستان. القرغيزيون بحاجة للحملات الدعوية بعد عقود من التجريف الشيوعي (حليب من نوع آخر ) تقدم المطاعم الطعام التقليدي القرغيزي ومطبخ آسيا الوسطى عموما فضلا عن الأطباق الشهيرة عالميا، سيجد السائح العربي أن المطبخ القرغيزي قريب جدا من ذائقته اذ لا تختلف التوابل وطريقة إعداد الطعام كثيرا عن المطبخ العربي،غير أن ما سيختلف عنه أمر آخر..»حليب الخيول»..وهو المشروب التقليدي في قرغيزستان ومنه جاء اسم العاصمة اذ ان كلمة بيشكيك تعني الممخضة وهي القربة التي يخمر فيها حليب الخيول، وهو ذو طعم قريب لحليب الضأن. (القرغيزيون والتمر) شهد ركن التمور إقبالا خياليا من القرغيزيين الذين تزاحموا للحصول على عبوات التمر التي وفرها المركز الوطني للنخيل والتمور بجهود كبيرة من المشرفين على الركن عبدالله اليحيى وفيصل بن نجر ورافع الغامدي، ووزع الركن طنا ونصفا من التمور طيلة أيام المعرض،الجدير بالذكر أن المركز انشئ بأمر ملكي واشرف على تأسيسه مجلس الغرف السعودية ووزارة الزراعة. (اهتمام بالتفاصيل) لم تترك وكالة وزارة الإعلام للعلاقات الثقافية الدولية المنظمة للايام الثقافية السعودية في قرغيزستان أي شيء للصدفة بدءا من ترتيب حجوزات السفر والإقامة للوفد الثقافي والفني والإعلامي الكبير إلى توفير عدد كاف من المترجمين مرورا بمتابعة شؤون الوفد الإعلامي وتيسير مهمة عمله بمتابعة مباشرة من وكيل الوزارة الدكتور صالح النملة الذي كان قريبا من الإعلاميين وكان حريصا على ان تكون التغطية موضوعية وخارج الإطار التقليدي عبر رصد السلبيات ان وجدت أكثر من إبراز الايجابيات، كما كان وراء التنظيم الدقيق والاهتمام بالتفاصيل فريق عمل بدأ جهوده كالعادة منذ شهور ولم تنته مهمته إلا بوصول الوفد إلى ارض الوطن وهم خالد العمير مدير مكتب الوكيل وعادل قطان من سكرتارية مكتب وزير الثقافة والإعلام وحمدان الجهني المسؤول المالي للوفد،وخالد الديداني صديق الإعلاميين الذي كان مسئولا عن تنقلاتهم وراحتهم ومتابعة طلباتهم التي لا تنتهي. كما كان لعمر محمد العقيل المشرف على الايام الثقافية السعودية في قرغيزستان دور كبير في خروجها بشكل تنظيمي جميل وتعامل مع الإقبال غير المسبوق على المعرض الثقافي بكل قدرة إدارية ودماثة خلق. كما ان السفارة السعودية في بيشكيك كانت متابعة للوفد منذ لحظات وصوله الى ساعة مغادرته بتواجد القائم بالاعمال مرعي بركة الدرباس وحسام الزيلعي وطلال العتيبي الذين قدموا مشكورين للوفد كثيرا من المعلومات القيمة عن البلد وعن طبيعة الحياة فيه. مسنة حرصت على حضور المعرض الثقافي (عدسة : عبد العزيز العيار) بهجة طفولية بنقش الحناء لحظة دعاء سوق دوردوي الشعبي في بيشكيك انهار الثلج تجري وسط السهول الخضراء صفوف طويلة للحصول على نسخ القرآن