منذ 1000 عام قال المتنبي: وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام وهو يحكي بذلك سيرة نفوس كبيرة على امتداد التاريخ، وواسطة عقدها في عصرنا هو خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، وعندما نقول عن فئة من الناس إنهم ذوو نفوس كبيرة فإن ذلك ليس تعبيرًا إنشائيًا ولا رغبة في تزلف أو مجاملة ولا استهدافًا لمصلحة ولا غرمًا بتسويد الأوراق دون أن تحمل قصدًا أو معنى يتطلع إليه الإنسان (أي إنسان) وتزداد حاجتنا إليه في أيامنها هذه، بكل ما تحمله من تداخلات وتعقيدات على مستوى المجتمعات والأفراد. واسمح لي أيها القارئ الكريم أن أكتفي بتدوين هدفين اثنين فقط أرنو إليهما في هذه السطور، لئلا أطيل الكلام، وهما: أن الإشادة بمثل أولئك أعني بهم أصحاب النفوس الكبيرة تشجيع على الاقتداء بهم، كلٌّ بحسبه وكلٌّ في مجاله. ان تلك الإشادة حقٌّ مكتسب لهم، ولو من باب الوفاء وردِّ الجميل كما يقال. إن وجود الحدِّ الأدنى من ذوي النفوس الكبيرة في أي مجتمع يضفي عليه سمةً مختلفةً ومزية تزيده حسنًا وتماسكًا، فهم بلا شك يشاركون في صنع المجتمع وتشكيله، بما يملكونه من تأثير وبما لديهم من قدرات عالية، ويمثلون مع فئات أخرى محاور ارتكاز، وأركانًا يُستند إليها في حالي الرخاء والشدة. وذوو النفوس الكبيرة مراتب مختلفة ودرجات متفاوتة، وكلهم على خير، و(كلٌّ ميسرٌ لما خُلق له)، ولئن ذكرناهم فشكرناهم، فإن لسان الثناء ناطقٌ على حامل لوائهم في عالمنا اليوم، ألا وهو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وسدد خطاه وأمد في عمره، وهذا مما يشهد به الناس ويتنادون إليه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ودعونا نتساءل عما أشير إليه في العنوان، فما هي النفوس الثماني المقصودة؟ يتبدَّى لي أن تجليات تلك النفوس في شخصية خادم الحرمين الشريفين تظهر في ثماني نفوس نبيلة جليلة، وهي من وجهة نظري تتمثل في الآتي: الأولى: نفس صادقة: فهو بحر من الصدق لا ساحل له، صدقٌ يعرفه مَنْ لقيه ومن جلس معه ومن سمع حديثه، ومن رأى قسمات وجهه، وهذا وذاك مما لا يتأتى فيه التصنع في كل آنٍ وحين، وليس مما يمكن تعلمه في دورات فن التفاوض أو تطوير الذات أو مهارات التعامل مع الآخرين. الثانية: نفس وفية: وذلك أن الوفاء لديه خصلة مستقرة لا تخضع لموازين المصلحة ولا تحكمها قواعد السياسة، إذ هي مبدأ عميق وقيمة تخالط وجدان خادم الحرمين الشريفين، لا تفريق فيها بين زعيم أو رئيس أو قائد أو رجل من عموم الناس مغمورٍ لا يُعرف، فالوفاء لهم مبذول وفي حقهم مطلوب، وما تكريم ذوي المبادرات الخيرية والاجتماعية أو مكافأة من قدموا أفعالاً بطولية تسهم في إنقاذ الأرواح إلا من ثمار تلك النفس الوفية. الثالثة: نفس نقية السريرة: وتلك شيمة الكرام، وهي قرينة حِلْمٍ لا حدَّ له، فمن لم يكن حليماً فمن أين له نقاء السريرة، وكيف ستصفو له نفسه وسريرته؟ إنها سريرة قد طردت منها كل شائبة تكدر نقاءها، ولم تسمح لأضغانٍ وليدة حادثة عابرة أو موقفٍ طارئ أن تغير طبيعتها، فقد دأبت على التسامي على كل ذلك، فمرحىً لها. الرابعة: نفس ذات رؤية بعيدة: وهي ملمح من ملامح شخصية القائد التي تتمثل في خادم الحرمين الشريفين، فحين تكثر الآراء وتعدد الأقوال، يقف حفظه الله على ربوةٍ من علو النظر كاشفًا سُجُف الزمن، ليتخذ قراره الحكيم، دون أن تحجزه الأحداث الجارية عما يمكن أن تخبئه الأيام القادمة، فهو ابن عبدالعزيز وكفى. الخامسة: نفس سمحة: وذلك ملمح ثانٍ من ملامح شخصية القائد، ولئن أكد خبراء فن القيادة والإدارة وقرر باحثو السياسة أن القادة ينبغي أن يكونوا حازمين، فإن ذوي النفوس الكبيرة منهم لا يظهر حزمهم بقدر ما تبرق السماحة في محياهم، لأنهم إلى الخير أقرب، ومحبة الناس لهم بل محبتهم للناس تسكن قلوبهم وتملأ جوانحهم، فهم ينظرون إليهم بعين الأبوَّة أكثر من عين القيادة. السادسة: نفس مملوءة بالمواطنة: فهو بحق المواطن الأول، وقد رأينا كم يستحضر المواطن في توجيهاته الخاصة أو كلماته العامة، فلا يكاد يستحوذ على اهتمامه شأن آخر أكثر من شؤون المواطنين، وهذا ما نلاحظه منعكسًا بصورة جلية لا خفاء فيها على ما يصدره من أوامر وتعليمات لمسؤولي الدولة أيًّا كانت مواقعهم، وهكذا هم القادة الكبار على اختلاف الأزمان. السابعة: نفس صالحة مصلحة: فتحقيق ما يصلح للجميع هو مقصده ومراده، وتلبية ما يريده الجميع هو مسعاه ومطلبه. ومحبته إياهم وإيصال الخير لهم، لا تقتصر على أبناء شعبه فحسب، بل تتعدى إلى أبناء أمته، وإلى العالم أجمع. إصلاحٌ يمتد إلى كل ما يحتاج إلى إصلاح صغر أم كبر، قل أم كثر، يستلهم الماضي ويبني الحاضر ويتطلع إلى المستقبل، فهو بحق (ملك الإصلاح)، وما تلك النقلات التي نشهدها في بلادنا إلا شواهد على ذلك، أسأل الله أن يكللها بالتوفيق والنجاح. الثامنة: نفس عظيمة: وغنيٌّ عن البيان أن النفس الكبيرة أيًّا كان وصفها وأيًّا كانت السمة التي تميزها، لا تنفكُّ أبدًا عن كونها نفسا عظيمة، عظيمة فيما تحمله من هموم، عظيمة فيما ترقبه من تطلعات، عظيمة فيما تقدره من مصالح، عظيمة فيما تؤسسه من مشروعات، عظيمة فيما تصنعه من إنجازات، عظيمة فيما تسعى إليه من حضارة وتقدم. إن ذوي النفوس العظيمة كبارٌ في عظمتهم ومراداتهم، كما يؤكده قول المتنبي الذي استفتحنا به هذا المقال، الذي لا يفي بما في قلوبنا تجاه والدنا وقائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وأبقاه ذخرًا لهذا الوطن وأبنائه. *رئيس هيئة الخبراء بمجلس الوزراء