طالب الاستاذ الدكتور محمد بن عبدالله بن صالح عميد كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود ببث الوعي لدى ملاك المباني التراثية بأهمية المباني وعائدها المعنوي للوطن، كما طالب الجهات المعنية بالثروة التاريخية عن المباني بعمل الحوافز للمحافظة واعادة التأهيل والبحث عن اسباب عزوف الملاك الاصليين لها عن ترميمها او اعادة التأهيل لها. عميد كلية العمارة والتخطيط تطرق الى الكثير من الامور في الحوار التالي: ٭ ما سبب غياب الهوية العمرانية والمعمارية المحلية؟ وما هو دور كليات العمارة والتخطيط في الحفاظ عليها؟ - قبل الاجابة على هذا السؤال يبدأ بتحديد مفهوم الهوية بأنها نتاج تفاعل المجتمع بسلوكياته واجتماعياته وقدراته المادية بأفراده مع معطيات البيئة المحلية دون التدخل الخارجي. وقد مرت الهوية العمرانية والمعمارية المحلية بمراحل وازمات متعددة، فقد اتسمت كل مرحلة من مراحل التطور العمراني والمعماري بهوية ميزتها عن الاخرى. وقد رسمت «المرحلة التقليدية» هوية مميزة للنمط العمراني والطراز المعماري لكل مكان حيث كان لمهرة البناء ومواد البناء المحلية والعادات الاجتماعية والوضع السياسي غير المستقر أدوار في ابراز تلك الهوية في قوالب فريدة من نوعها تميز كل مكان في هوية خاصة به. تلت تلك «المرحلة الحديثة» التي اتسمت في غياب مهرة البناء المحليين والعزوف عن استخدام مواد البناء المحلية وحدوث تغير في طريقة تقبل عادات الآخر واستقرار الوضع السياسي. تسببت تلك في الاستعانة بمعماريين ومخططين اجانب كبديل «لاستاد البناء» واستيراد وتصنيع مواد بناء جديدة وكلاهما يعتبر دخيلا على البيئة المحلية آنذاك. أما اسباب العزوف والابتعاد عن ابراز الهوية فهو ناتج عن انعدام التوجه نحو الابداع التقني الملائم للبيئة المحلية والمجتمع من الجانب التخطيطي والجانب المعماري مثل ما يتعلق بتقنية البناء واسلوب الانشاء، بالاضافة الى غياب المعلومات الهندسية عن التقنيات المستوردة ومتطلباتها وهذا يرجع لعدم وجود هيئة عمرانية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تلك الاسباب. انبثق عن المرحلة الحديثة نمط عمراني جديد، اتسم بالتخطيط الشبكي المتعامد وطراز معماري اطلق عليه «الطراز الدولي» والذي ساد اكثر من اربعة عقود في المملكة، وقد عمت تجربة المرحلة الحديثة العالم اجمعه بحيث اصبح الشخص يرى اشكال المباني والشوارع والسيارة متماثلة في كل صقع، وعندئذ ادرك المنظرون للتخطيط والعمارة مشكلة غياب الهوية المحلية وبدأوا في عقد الندوات والمؤتمرات التي تعرف بالمشكلة وتقترح الحلول لها ومن بين تلك الافكار المفاهيم التي تنادي بتغيير مناهج التعليم المعماري وتأصيل العمارة المحلية. مما لا شك فيه ان للتعليم العمراني والمعماري دورا أساسيا في تعزيز او اهمال ابراز هوية المكان عمرانياً ومعمارياً اثناء تخطيط وتصميم المشاريع ويأتي دور التعليم من خلال تعزيز ادراك الطالب الذهني من اجل الابداع من خلال فهم فلسفة المجتمع وتراثه بالاضافة الى الالمام بمفهوم التقنيات الحديثة وكيفية الاستفادة منها بالاضافة الى تعزيز المجال البحثي في مجال العمران. ٭ ما مدى امكانية مساهمة الكلية في عمل دراسات وتحديد للمواد الخاصة بالبناء المناسبة للبيئة والمواد غير المناسبة؟ - للكلية دور في الدراسات والبحوث الخاصة بمواد البناء واقتصادياته حيث قام العديد من اعضاء هيئة التدريس باجراء بحوث عن طريق مركز البحوث في الكلية والذي يقوم بدراسة جدواها وبتمويلها او عن طريق معهد الأمير عبدالله للبحوث والدراسات الاستشارية الذي يقوم باجراء بحوث ودراسات لجهات خارج الجامعة عن طريق تشكيل فرق عمل بحثية من مختلف كليات الجامعة ومن ضمنهم كلية العمارة والتخطيط. وقد ساهمت بعض تلك البحوث في تقويم بعض مواد البناء وانظمتها على اختلاف خصائصها وانواعها. وهذه البحوث اصبحت في متناول المتخصصين من المعماريين والمقاولين على اختلاف خلفياتهم العلمية. ومثل تلك الدراسات والابحاث تم توثيقها بطريقة منهجية وتصنيفها وفق قواعد مدروسة بحيث يسهل على الباحث استرجاعها والاستفادة منها كمصدر اساسي. وللكلية دور هام في اعمال «لجنة كود البناء السعودي» حيث قام العديد من اعضاء هيئة التدريس بالمشاركة في لجانه العاملة وفي حلقات النقاش التي تدور حول العديد من المواضيع الهامة التي تتعلق بمواد وانظمة البناء المناسبة للبيئة السعودية. ومثل هذه المساهمات لها دور في توجيه الحلول وصد العديد من المشكلات ذات العلاقة عند تضمين مواد البناء الجديدة في اعمال البناء وتحديد غير المناسب منها. ٭ كيف نحافظ على الثروة التاريخية من المباني في مختلف مناطق المملكة وما دور الجمعية السعودية لعلوم العمران في ذلك؟ - تحظى المملكة بتنوع من المباني التاريخية في مختلف مناطق المملكة يرجع تاريخ البعض منها الى بداية وجود الانسان على الارض. ونظراً لطبيعة بناء الكثير منها فقد قاومت ظروف البيئة القاسية والاهمال على مر التاريخ ولا زالت شامخة الى الوقت الحاضر، كما ان البعض الآخر فرضت أهميتها الدينية، على مدار التاريخ، استمرارية بقائها مثل «الكعبة المشرفة» التي تعتبر أول بيت وضع للناس والتي يشاهد الكثير منا الاساس الذي رفع منه ابراهيم واسماعيل عليهما السلام قواعدها. تساهم نوعية ملكية ووظيفة المبنى التاريخي في بقائه او تهدمه او احياناً تلاشيه، وتنقسم ملكية الثروة التاريخية من المباني الى قسمين رئيسيين، القسم الاول: ترجع ملكيته الى الدولة (ملكية عامة) ممثلة بوكالة الآثار والمتاحف التابعة في الوقت الحاضر الى الهيئة العليا للسياحة وهي التي تتولى اعمال البحث والتنقيب والترميم والادارة لها. وقد قامت منذ انشائها بتسجيل المواقع ذات الطابع الآثاري وترميم واعادة تأهيل العديد من المباني التاريخية فيها بمختلف مناطق المملكة والتي يراها الزائر والمهتم في تلك المباني. أما القسم الآخر: فترجع ملكيته الى افراد (ملكية خاصة) والذي لا يقدر الكثير منهم قيمته التاريخية وانما يهمهم القيمة المادية للارض والمنشأ فقط. وقد قام افراد هواة في شراء بعض المباني التاريخية وترميمها واستخدامها كما ان بعض الواعين من الملاك قد قام بترميم بعض المباني الخاصة بهم واعادة تأهيلها واستخدامها كمتاحف خاصة او مكاتب. واذا أمعنا النظر نجد ان الملكية الخاصة للمباني التراثية يفوق في العدد التنوع للملكيات العامة لذا يتطلب الامر بث الوعي لدى الملاك بأهمية المباني وعائدها المعنوي للوطن. كما يتطلب من الجهات المعنية بالثروة التاريخية من المباني بعمل الحوافز للمحافظة واعادة التأهيل والبحث عن اسباب عزوف الملاك الاصليين لها عن ترميمها او اعادة التأهيل لها. وتشمل الحوافز ولا تقتصر على المساعدات المادية لأعمال المحافظة والترميم واعادة التأهيل وعمل البرامج لتفعيل استخدام المباني وخاصة ذات الطابع السياحي منها. فعلى سبيل المثال لو ادخل يوم في الاسبوع الدراسي للزيارات الحقلية لتلاميذ مراحل ما قبل الجامعة لأمكن اعادة الحيوية للعديد من المباني التاريخية بالاضافة الى الحصول على عائد مادي لها. ويقع على عاتق الجمعية السعودية لعلوم العمران بث الوعي للملاك والممارسين في اهمية تلك المباني وعقد الندوات وعمل المعارض واعطاء الجوائز للأفراد والمؤسسات التي تقوم بترميم المباني التاريخية وادارتها والمساهمة في عمل الانظمة الخاصة بالمحافظة على مثل تلك المباني. ٭ على من تقع المسؤولية في ظاهرة الغزو المعماري الذي نراه في مدننا عن طريق تنفيذ الكثير من المباني الحديثة المستوحاة من بيئات غريبة عنا ولا تمت لنا بصلة؟ - يشترك المعماري والمالك في المسؤولية في الاساس وكذلك الجهة التي تعتمد مثل هذه الممارسات والمدارس التعليمية التي تدرب فيها المعماري. ولا زال الكثير من المطورين يعتمد على المعماري الاجنبي الذي يجهل الكثير عن خصائص المكان الذي يصمم عليه. فالتحول المهني الذي طرأ على بعض المعماريين من «المحترف» يحترم المهنة ويدافع عنها الى «مسوق» يجري وراء الكسب المادي مما سبب في تسليم الامر بالكثير من قرارات التصميم الى المالك.