قد تسمع من كبار السن قولهم: (فلان أذرق من صافرة)، وأذرق عامية بمعنى أخوف، أما الصافرة ففي العامية تختلف التفسيرات باختلاف المناطق، فتجد من يقول: الصافرة هي القطط حين تكون في فترة التناسل، حيث تطلق قبيل عملية التزاوج مواءها المتصل، لكن متى اقترب منها الإنسان في هذه الحالة فإنها سريعة الهرب، وهناك من يقول إن الصافرة نوع من المفصليات الصغيرة، تُصدر صوتًا في الليل يشبه الصفير؛ والمقصود بذلك ما يعرف باسم الجُدْجُد بحسب المصادر المتخصصة أو صافر الليل عند العوام، فإذا أتت دويبة أخرى لتفترسه لا يقاوم. بالمناسبة صوت الجدجد هو الذي يُسمع في الليل في البساتين والحقول ووسط النباتات في المناطق الصحراوية، ويستخدم - سينمائيًا - في المشاهد الليلية، وفي الأفلام الوثائقية أو في البرامج الإذاعية، كمؤثر صوتي للإيحاء بالسكون. وثمة تفسير ثالث تسمعه من كبار السن في نجد لا يختلف عن معنى المثل وأصله في مصادر التراث العربي، فللصافر عدة معان منها اللص، والطير الجبان، وكل ذي صوت من الطير، وكل ما لا يصيد من الطير. قال صاحب تاج العروس: (الصافِر طير جبان ينكّس رأسه ويتعلق برجله وهو يصفر خيفة أن ينام، فيُؤخذ، وبه فسّر بعضهم قولهم: أجْبَن من صافِر). ولعل المقصود بذلك أنواع تعرف في المصادر المتخصصة بالطيور الحبّاكة، التي تنسج أعشاشها بشكل أفقي أو مقلوب، وبالفعل هي لا تتوقف عن الصفير والجلبة في المكان الذي تستقر فيه لكنها تفزع وتطير من أدنى حركة أو صوت، وعلى أي حال فالمثل يضرب للجبن وشدة الخوف. وفي الحديث عن الجبن بارتباطه بالطيور تأتي كلمة (الرَّخَمَة: بنطقها الفصيح) وتعني نوعا من النسور يسمى في المصادر الحديثة النسر المصري، أما في العامية؛ ففي منطقة نجد، تسمى النسور بشكل عام الرّخَم، وتعد من أكبر الطيور لكن ذلك لا يعني التفوق ولا التميز بالإقدام والشجاعة كما الصقور (طيور السعد)، قال الشاعر محمد الأحمد السديري: طير السعد من كفه الدم شلال بالمخلب الساطي عطيب المضاريب ولا يغرك بالرخم كبر الازوال وكبر النسور المهدفات المحاديب غير أن ثمة تحديدا في العامية فيقال الرّخَمَة ويقصد النسر المصري ذلك النوع المميز شكلاً ببياض مشوب بصفرة، مع وجود خط أسود على طرفي الجناحين، وبرجلين عاريتين تبدوان كأنهما طويلتان، وقد قالت شاعرة من البادية تنتقد زوجها بعد أن اختارته من بين أقاربها متوسمة أن يكون شجاعاً قبل أن تنكشف الحقيقة بعد المعاشرة على عكس ما كانت ترغب: شمت لك من لابتي لما لمومي داخل في خاطري آخذك عشاقة يا شبيه اللي على الرمة يحومي أبرق الجنحان رجلينه دقاقة وأهم ما يميز النّسور وبخاصة النّسر المصري (الرخمة) صفة الجبن، وهو وغيره من أنواع النسور تأكل الجيف وما يبقى من فرائس السباع، فلا تصيد لنفسها غالبًا، على عكس العقبان والصقور المميزة بالفتك بفرائسها من الطيور والحيوانات الصغيرة الحيّة. وإذا قيل (فلان رخمة) فالدلالة تنصرف إلى أنه جبان، ولا يحسن التصرف لنفسه ولغيره. ويقال أيضًا في المثل الشعبي: (فلان تأخذ عباته الرخمة)، وهذا المثل يضرب للرجل الموصوف بالجبن والخوف الشديدين، عندما يتحكمان بعلاقاته مع الآخرين.