تحتفل المملكة بذكرى البيعة الثامنة للملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-. وإذ نستذكر في هذه المناسبة المُباركة المنجزات الوطنية التي تحققت في عهده الميمون والتي رغم كثرتها وتعددها وتنوعها فإنها لم تنس خادم الحرمين الشريفين، او تشغله عن واجباته إزاء الأشقاء والأصدقاء. فهو السباق إلى رأب الصدع وجمع الكلمة ونبذ أسباب النزاع والفرقة وخاصة بين أبناء الأمة الواحدة. وكما طرح مشروع الحوار الوطني في الداخل. فإنه طرح مشروع حوار الحضارات مع مختلف الديانات، وكانت إسهاماته في مختلف القطاعات الاقتصادية والسياسية والفكرية بمثابة صمام أمان مكّن المملكة من تنفيذ خططها التنموية بدون أي عوائق، ونالت احترام العالم وإعجابه. "الاتحاد قوة" كان لمبادرة خادم الحرمين - حفظه الله - ومقترحه في خطابه الافتتاحي للدورة الثانية والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالرياض 2011م بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد صدى واسعاً رحب به قادة دول مجلس التعاون لما يشكل ذلك من نقلة نوعية في أداء منظومة المجلس تجعله أكثر تأهيلا ومقدرة على التعامل مع المتغيرات المتسارعة، ومواجهة التحديات ككتلة موحدة. وتعد هذه المبادرة الملكية التاريخية تتويجاً لسلسلة متتابعة من المبادرات السياسية الخليجية خلال الحقبة الأخيرة لمعالجة الأزمات السياسية التي نشبت في عدد من الدول العربية، ما جعل مجلس التعاون محط تركيز عالمي للمرة الأولى منذ إنشائه قبل ثلاثة عقود. وفي خطابه أمام القمة الخليجية ال32 دعا الملك عبدالله قادة دول الخليج إلى "تجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان موحد". وقال "لقد علمنا التاريخ والتجارب أن لا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا... ومن يفعل ذلك سيجد نفسه في آخر القافلة ويواجه الضياع وهذا أمر لا نقبله جميعا لأوطاننا واستقرارنا وأمننا، لذلك أطلب منكم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد". وقال خادم الحرمين "نجتمع اليوم في ظل تحديات تستدعي منا اليقظة وزمن يفرض علينا وحدة الصف والكلمة ولا شك أنكم جميعا تعلمون بأننا مستهدفون بأمننا واستقرارنا، لذلك علينا أن نكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقنا". "رؤية أمنية شاملة" كما دعا خادم الحرمين في كلمة وجهها إلى اجتماع وزراء الداخلية العرب الذي انعقد في الرياض وألقاها نيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، إلى صياغة رؤية أمنية عربية شاملة تتسم بالحكمة السياسية والالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية. وقال الملك عبدالله "إن التحديات التي تواجه أمتنا العربية وتهدد أمنها ومسيرتها التنموية، والحضارية والإنسانية كثيرة وخطيرة، ولكننا واثقون بالله ثم بوعي شعوبنا وإخلاص القائمين على أمن أوطاننا، من أننا سوف نحافظ على أمننا العربي القائم على أساس متين من التعاطف بين أبناء الشعب الواحد، وشعورهم بالانتماء الوجداني والإنساني لأمتهم العربية". ودعا - حفظه الله - الأجهزة الإعلامية العربية، "لما لها من دور مهم في توحدنا في ظل ما يجمع بيننا من قيم خالدة وتاريخ مشترك ومصير واحد، إلى تدارك خطورة بث روح الفرقة والانقسام في صفوف الأمة." وقال "إن الفتنة جريمة أشد من جريمة القتل"، وأكد أن المملكة من منطلق ثوابتها الإسلامية والعربية تعمل جاهدة من أجل تعزيز مسيرة التعاون والتنسيق الأمني العربي المشترك في كافة المجالات وقد تحملت بكل عزيمة واقتدار مسؤوليتها في هذا الخصوص. "أهمية الحوار" وأكد الملك عبدالله -حفظه الله- على أهمية الحوار في ترسيخ وتعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق التوافق والإئتلاف بين أبناء المجتمع الواحد. وقال "إن من أبرز ما يميز المجتمع السعودي هو حفاظه على قيم الدين الحنيف والتفافه حول قيادته وحرصه على وحدة الوطن، وهو حرص أثبتته الأيام والأعوام الماضية، وفي جميع الظروف التي مرت بها البلاد، وإن الحوار الوطني كان له دور كبير في تعزيز هذا الانتماء والتقريب بين وجهات النظر. ووجه بالاستمرار على هذا النهج وعلى كل ما من شأنه أن يوحد المجتمع والرؤى، والابتعاد عن التصنيفات المذهبية والفكرية والمناطقية، وعن استخدام لغة التصنيف والإقصاء التي لا تليق بمجتمع نشأ على تعاليم وقيم الإسلام السمحة. كما وجه خادم الحرمين مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بمضاعفة الجهود وتنظيم اللقاءات التي تعود بالخير على الوطن والمواطن، والاستفادة من نتائج اللقاءات الوطنية التي يتوصل إليها المتحاورون مع مؤسسات المجتمع وتنفيذ ما من شأنه خدمة المواطن ورفاهيته وتحقيق تطلعاته. وأشار إلى أهمية رسالة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في غرس قيم الوسطية والمحبة والتسامح في المجتمع، التي هي من صميم قيم ديننا الحنيف. وقال "إن التركيز عبر التاريخ على نقاط الخلاف بين أتباع الأديان والثقافات قاد إلى التعصب، وبسبب ذلك قامت حروب مدمرة سالت فيها دماء كثيرة لم يكن لها مبرر من منطق أو فكر سليم. الملك عبدالله مستقبلاً بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك (يونيو 2010). «الرياض وأكد إن كل مأساة يشهدها العالم اليوم ناتجة عن التخلي عن مبدأ عظيم من المبادئ التي نادت بها كل الأديان والثقافات فمشاكل العالم كلها لا تعني سوى تنكر البشر لمبدأ العدالة. وأضاف "أن الإرهاب والإجرام أعداء الله، وأعداء كل دين وحضارة، وما كانوا ليظهروا لولا غياب مبدأ التسامح، والضياع الذي يلف حياة كثير من الشباب. كما أن المخدرات والجريمة، لم تنتشر إلا بعد انهيار روابط الأسرة التي أرادها الله عز وجل ثابتة قوية". "قرار مدروس" وضمن مبادراته السياسية التي تهدف لحل النزاعات ووقف سفك الدماء طالب خادم الحرمين المجتمع الدولي بإنهاء انقسامه حيال الأزمة السورية، وتوفير ما تحتاج إليه المعارضة السورية من دعم سياسي ومادي. وقال الملك عبدالله في كلمة ألقاها نيابة عنه ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز في القمة العربية ال 24 التي عقدت بالدوحة "إن الأزمة السورية تشهد تفاقماً مستمراً من القتل والتدمير اللذين يمارسهما النظام السوري ضد شعبه داخل وخارج سورية، على مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي لم يحسم أمره بعد لإمكانية التصدي لهذه الجرائم ضد الإنسان السوري". وأضاف "ما زلنا عند اعتقادنا أن نظام الأسد ماض في إفشال أي مبادرة عربية أو دولية للتسوية السلمية، حتى وإن أعلن عن قبوله، طالما لديه قناعة بحل الموضوع بالوسائل الأمنية والعسكرية مع استمرار تلقيه الإمداد العسكري". "تاريخ جديد للمرأة السعودية" وحقق الوطن بقيادة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تطورات مهمة في تاريخ المرأة السعودية بدعمه لإنجازاتها وتعزيز الفرص لها، الأمر الذي جعلها تتبوأ المراكز القيادية في مختلف الأصعدة والقطاعات رغم الصعاب والعقبات. وتستمر مسيرة تمكين المرأة من نيل جميع الحقوق المشروعة لها في ظل النظرة الرشيدة والثاقبة للملك عبدالله وثقته العظيمة بها. وكانت كلمة خادم الحرمين الشريفين أمام مجلس الشورى والتي أعلن فيها مشاركة المرأة في المجلس قد تضمنت قوله “إن كفاح والد الجميع الملك عبدالعزيز مع أجدادكم - يرحمهم الله - أثمر وحدة القلوب، والأرض، والمصير الواحد، واليوم يفرض علينا هذا القدر أن نصون هذا الميراث، وأن لا نقف عنده بل نزيد عليه تطويراً يتفق مع قيمنا الإسلامية والأخلاقية. نعم.. هي الأمانة والمسؤولية تجاه ديننا ومصلحة وطننا وإنسانه وأن لا نتوقف عند عقبات العصر، بل نشد من عزائمنا، صبراً وعملاً وقبل ذلك توكلاً على الله - جل جلاله – لمواجهتها". وأضاف حفظه الله "إن التحديث المتوازن، والمتفق مع قيمنا الإسلامية، التي تصان فيها الحقوق، مطلب مهم، في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين والمترددين. يعلم الجميع بأن للمرأة المسلمة في تاريخنا الإسلامي، مواقف لا يمكن تهميشها، منها صواب الرأي، والمشورة، منذ عهد النبوة، دليل ذلك مشورة أم المؤمنين أم سلمة يوم الحديبية، والشواهد كثيرة مروراً بعهد الصحابة، والتابعين، إلى يومنا هذا". وقال الملك "ولأننا نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي، في كل مجال عمل، وفق الضوابط الشرعية، وبعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء، وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه، وأيدوه، فقد قررنا التالي : أولاً: مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضواً اعتباراً من الدورة القادمة وفق الضوابط الشرعية. ثانياً: اعتباراً من الدورة القادمة يحق للمرأة أن ترشح نفسها لعضوية المجالس البلدية، ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف. من حقكم علينا - أيها الإخوة والأخوات - أن نسعى لتحقيق كل أمر فيه عزتكم وكرامتكم ومصلحتكم.. ومن حقنا عليكم الرأي والمشورة، وفق ضوابط الشرع، وثوابت الدين، ومن يخرج على تلك الضوابط فهو مكابر، وعليه أن يتحمل مسؤولية تلك التصرفات".