تثير مسودة الدستور التونسي في نسختها الثالثة جدلًا كبيراً في الوسط السياسي ولدى خبراء القانون لما اعتبروه دستورا لا يستجيب لتطلعات الشعب التونسي ولا يرتقي الى مستوى الانتقال الديمقراطي المنشود.. بل هو انقلاب على النظام الجمهوري والاجتماعي للتونسيين وتكريس لدولة الخلافة - حسب تعبيرهم - كما استنكر بعض خبراء القانون الدستوري العديد من الفصول واعتبروها فصولا «ملغمة «.. وقد أكد أستاذ القانون الصادق بلعيد أن صياغة الدستور يجب أن تعاد لما احتوته من ثغرات ومطبّات قانونية تحتمل أكثر من تأويل خاصة في ما يتعلق بالجانب الديني وبالحريات مشيرا إلى أن هذا الدستور يشرع ل «خلافة سادسة»، كما بيّن النائب بالمجلس الوطني التأسيسي هشام حسني أن الهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة أخلت بالفصل 104 من النظام بالمجلس وأنها لم تكن أمينة على المقترحات التي رفعتها اليها اللجان التأسيسية فغيرت المضامين وحمّل المسؤولية إلى رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر باعتباره رئيساً لهيئة الصياغة والتنسيق حيث ينص الفصل 104 على أن تقع الصياغة النهائية للدستور اعتمادا على أعمال اللجان وإذا وجدت مقترحات جديدة فإنها تعرض على اللجان التأسيسية في جلسات مشتركة معها. وأشار النائب هشام حسني أن من بين الأمثلة الدالة على حصول تزوير في مضمون الدستور هو ‹›المحكمة الدستورية التي وقع تغيير عدد المترشحين الذين يقترحهم رئيس الجمهورية بالرفع فيه مقابل التخفيف في عدد مرشحي القضاة.. وهو عكس ما توصلت إليه لجنة القضاء العدلي والمالي والإداري. ‹›ونبّه النائب من مغبّة التلاعب بمضمون الدستور وبالأعمال التي توصّل إليها نواب المجلس متوعّدا بعدم الصمت ‹›إزاء هذه الخروقات››.. وذهبت النائبة بالمجلس سلمى بكار الى حد اتهام المقرر العام للدستور الحبيب حذر (النائب عن النهضة) ب»خيانة الأمانة» حيث دس في مسودة الدستور فصولا غير متفق عليها هي من اقتراح حزبه.. كما اعتبرت النائب في المجلس الوطني التأسيسي سامية عبو أن رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر خرق القانون بتقديمه للمسودة الثالثة للدستور دون عرضه قبل ذلك على نواب المجلس التأسيسي.. وقالت لقد تم تعديل بعض الفصول دون الرجوع الى اللجان المختصة. وانتقد العميد الدكتور رافع بن عاشور خلال ندوة حوارية نظمها الاتحاد من أجل تونس حول المسائل الدستورية العديد من المقومات التي اعتبرها غائبة عن النصوص في مسوّدة مشروع الدستور الجديد ‹›وتحمل العديد من الغموض والدقة›› مؤكدا على التضارب في الكلمة الواحدة.. وتحدث عن وجود مأزق قد يؤدي إلى خلّو الدستور من الأحكام الانتقالية مركّزا على مبدأ الاحتكار وذلك في الفصل 15.. كما أكّد أنّ الصلاحيات المتعلّقة بالسلطة التنفيذية والمتعّلقة برئيس الجمهورية هي صلاحيات قليلة.. وأطلق أنصار العريضة الشعبية التي قررت تجميد نشاطها بعد قرار انسحاب رئيسها الهاشمي الحامدي من الحياة السياسية حملة ضدّ «دستور النهضة» الذي أقصى رئيسهم من حق الترشح للرئاسة مؤكدين على عدم الاستسلام وسيواصلون الدفاع عن حقهم مهما كانت العراقيل.. ويشار الى أن صياغة الدستور الجديد كلفت لحد الآن ميزانية الدولة أكثر من مئة مليون دولار والرقم مرشح للزيادة في الوقت الذي يكابد فيه الشعب التونسي مشقة العيش الأدنى.