تكمن طيبة القلب بتصفية وتنقية الشعور وتطويع ما بلغ الإنسان وتجييره حتى وإن كانت إساءة إلى مكسب من خلال رفض الذات الانصياع إلى رد الفعل المضاد، بإيعاز من القلب الكبير، وان لا يكون الجزاء من جنس العمل، بل يكون لصفاء النية وبُعد النظر وعمق الإيمان ما يؤكد أن المكاسب الآنية لا تفتأ أن تتلاشى وتزول، وبذلك يكون قد ساهم في تعزيز رصيده من الحسنات، وما عند الله باق فضلا عن الإطمئنان والسكينة ليتبلور ما أصابه من سيئات إلى حسنات وينال محبة الخالق جل في علاه قال تعالى (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، ولاشك ان ضبط النفس لا يلبث أن ينشر أشرعته المباركة وهو يحتوي الفضيلة ويحميها ببعد النظر والرؤية الثاقبة من خلال التحكم والسيطرة الفذة لرد الفعل إزاء استفزازات لا تعدو عن كونها وقودا للخطيئة، ففي حالات الغضب والانفعال يضيق الأفق ويطفئ القرار المتسرع شموع المنطق لتمسي استحقاقات هذه المرحلة أشد وطأة متمثلة في خسارة الدنيا والآخرة، وحينما يسافر الإنسان وينتقل من مكان إلى مكان آخر فإنه يراعي فارق التوقيت ويضبط ساعته على وقت البلد الذي وصل إليه؛ ليتمكن من أداء واجباته واعماله على الوجه المطلوب، فإذا كان فارق التوقيت ومراعاته مرتبطاً في المكان فإنه لا يقل أهمية في حال المشاعر، بمعنى أن مشاعره تختلف في حالة الفرح عنها في الحزن. وكذلك الغضب، في حين أن قناعاته حيال التعامل مع كل الصفات ثابتة يعززها ثباته على مبدأه وحسن نيته، ولأنه حتماً سيشعر بالندم إذا اقدم على عمل متسرع نتائجه سيئة، فلم لا تتم مراعاة هذا الفارق شأنه بذلك شأن الوقت، وأن يضبط مشاعره في كل حالة، الإحساس بحاجة دائمة إلى التغذية والتنشيط والتذكير والمتابعة، وما لم يتم صيانة الإحساس على الوجه الأكمل فإن الشعور بقيمة الصواب والخطأ ستتلاشى ومن ثم فإن تبلد الحس سيطغى على الشعور وبالتالي تتسرب الكراهية الى المشاعر لتفسد القلب، وتؤدي الى استيطان الحقد ومآلات هذا الفساد ولا ريب إلى هي الخسارة الفادحة، فكلما سيطر الهدوء على العقل، كلما اكتست المشاعر بوافر من التأني وضبط النفس وكانت البراعة جسراً سهلاً للمحافظة على الجمال المعنوي. جاء رجل إلى عمر بن عبيد وقال له (إني أرحمك مما يقول الناس فيك)، فقال (أسمعتني أقول فيهم شيئا) قال (لا)، قال (إياهم فارحم).. تأملوا كيف كان رد الفعل والقياس الدقيق لمعيار الكسب والخسارة، فلم يغضب ولم يتشنج بل أدرك بأنهم أضافوا إلى رصيده مزيداً من الحسنات جراء الغيبة والنميمة التي أصابته، إنه الاعتناء بالإحساس والحرص على جماله وروعته ليس فقط حينما يراجع الإنسان نفسه ويراها متألقة براقة في خياله، بل في حسابات أخرى لا يدركها إلا صاحب القلب الكبير والوعي المستنير. وهكذا فإن صيغة الضغينة ليس لها حيز في قلب المؤمن الذي يعرف كيف يضبط حساباته جيدا فلا تجعلوا من الأخطاء الصغيرة التي ربما لم تكن مقصودة مدعاة لشرخ اللوحة الجميلة، فالتسامح والصفح والعفو من شيم الكرام، فضلاً عن أن رد الفعل المتزن لا يلبث أن يعيد الكرة إلى من فعل الفعل، فيخجل من نفسه ومن تصرفه، وقد يكون هذا سببا في تصحيح سلوكه وتقويم أقواله وأفعاله، إن التعليم إنما يتم بالحكمة والخبرة والمعرفة لتمتد الآثار الجميلة الرائعة لتعتني بالإحساس وتثري بفنونها الجميلة أجمل معاني الحب والتسامح، النفس سر الأسرار وعلمها عند العزيز الجبار، ولكل شيء معيار ومعيار النفس الشهوة، في حين أن التحكم بالمسار تحدده الرغبة للفجور أو للتقوى، إنه استثمار خليق بالاعتبار، كم أنت غنية أيتها النفس وكم حباك الله من المزايا والقدرة على احتواء هذا المزيج، مقرونة بالنوايا، صفات متضادة من حيث القياس والتأثير، ولكل ميزة تفسير، ولا أخال من يمثلك من يد ولسان وقدم وشفتين إلا رهن للتعبير. فيك الجمال والقبح فيك القسوة واللين فيك الحب والكره، يفصل بين المتناقضات تحديد المسافات، في حين أن سلامة الطريق تكمن في استقامة التفكير وحسن التقدير والمآلات جسر العبور نحو غلظة وسماحة نحو تصويب وانتكاسة نحو ليل حالك أو نهار نحو طاعة العزيز الجبار. تقييم التأثير لمفهوم الكسب والخسارة يحدده الاستيعاب المتقن وحسن الاختيار، فالكل يسعى للكسب وتجنب الخسارة وسلطة القرار في قبضة النفس الأمارة فلنمسك بالهدوء قبل أن يفلتنا، ولنكبح جماح النفس قبل أن تهلكنا ونزيد في الخير ما استطعنا ونحذر من الوقوع في الإثم وفقاً لما قدرنا ولنستشعر قبل أن نقرر ونتدبر قبل أن نتهور وليكن شعارنا العفو عند المقدرة والتسامح يسبق المعذرة. قال الشاعر الحقد داءٌ دفينٌ ليس يحمله إلا جهولٌ مليءُ النفس بالعلل مالي وللحقد يُشقيني وأحمله إني إذن لغبيٌ فاقدُ الحِيَل سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب لي ومركب المجد أحلى لي من الزلل إن نمتُ نمتُ قرير العين ناعمها وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي.