أثبتت دراسة أجريت مؤخراً أن الاستلقاء على الظهر أثناء ساعات الدوام من شأنه أن يفضي إلى تحسين القدرة على حل مشاكل العمل، وأن من يتخذون اتكاءة على الأرائك في المكاتب يكونون أكثر قدرةً على الإبداع وابتكار الأفكار وإنشائها وصوغها على غير مثال سابق. ففي هذا الخصوص، تحدثت دارين ليبنكي التي تعمل بكلية علم النفس بالجامعة الأسترالية الوطنية، والتي ترأست الفريق الذي أجرى البحث، فقالت: «إن النتائج التي توصلنا إليها تشير إلى أن التفكير الإبداعي يمكن أن يتم بمزيد من السهولة واليسر أثناء الاستلقاء على الظهر». وكانت ليبنكي قد فحصت قدرة الأشخاص الخاضعين للدراسة على حل الكلمات المتقاطعة المكوَّنة من خمسة أحرف، حيث كانوا عاكفين على حلها وقوفاً ثم وهم مضطجعون على ظهورهم. وقد علقت على نتائج الفحص قائلةً: «إن حل الكلمات المتقاطعة أثناء الاستلقاء كان أسرع من حلها أثناء الوقوف. فقد كان الحل أسرع وأسهل أثناء الاستلقاء.» وأوضحت ليبنكي أنه يبدو أن في أحداث التاريخ ووقائعه ما يؤيد نتائج هذا البحث. فقد خالجت الشكوك أحد ملوك الإغريق القدامى ذات مرة وارتاب في أن الجوهري الخاص به قد غشَّه وصنع له تاجاً من رصاص ثم طلاه بالذهب. لهذا فقد طلب هذا الملك من عالم الرياضيات والفيزيائي اليوناني الشهير أرخميدس )مكتشف مبدأ الثقل النوعي( أن يحل هذه المعضلة من غير أن يتأثر التاج. ولما كان أرخميدس يدرك أن رطل الرصاص يحتل حيزاً أكبر من ذلك الذي يحتله رطل الذهب، فقد تمكن من إدانة الجوهري من خلال وزن كمية الماء التي أزاحها التاج ومقارنتها بكمية الماء التي أزاحتها قطعتا ذهب ورصاص تزن كل منهما نفس زنة التاج. فقد خطرت الفكرة وانقدحت في ذهن أرخميدس عندما كان مستلقياً على ظهره في حوض حمَّام مملوء بماء ساخن، فلاحظ كيف أن جسمه قد تسبب في ارتفاع مستوى الماء بالحوض. ويقال إنه من فرط الفرحة التي غمرته نتيجةً للفكرة التي قفزت فجأةً في مخيلته، وثب من الحوض وهو يصيح: «لقد وجدتها، وجدتها!». واستطردت ليبنكي تصف ما حدث قائلةً: «إن الكلمات المتقاطعة تمثل نسخةً مكررةً لتلك التجربة التي مرَّ بها أرخميدس- ذلك أن الحل غالباً ما يخطر في البال على حين غِرَّة، وعلى غرار ما حدث في تجربة «وجدتها» المرتبطة بالابتكارات الإبداعية واسعة النطاق وعميقة الأثر.» أما السر الذي يكمن وراء ظاهرة الاستلقاء المفضي إلى الإبداع والابتكار، فهو مرتبط بمادة كيميائية يفرزها المخ، تسمى نورادرينالين (noradrenaline)، وهي مادة تؤدي إلى تحسين قدرتنا على التحليل المنطقي للبيئة المحيطة بنا، ولكنها تحد من القدرة على الابتكار. ويفرز الدماغ نورادرينالين بكميات أقل عندما يكون الجسم مستلقياً.