مما لا شك فيه أن التوسع في عملية الإقراض والتسهيلات البنكية للأفراد، خصوصاً لاؤلئك الذين قدراتهم المالية محدودة فيه كثير من الغبن إذا لم يستطع أن يسدد القرض، وبالتالي استخدام البنك حقه في بيع الرهن واستعادة حقه وتفليس المقترض، خصوصاً أن تلك القروض شملت طيفاً واسعاً من المتطلبات الحياتية الأولية والثانوية وعدم إدراك كثير من المقترضين لبنود القرض وشروطه مما جعل كثيراً منهم يقع في الشرك، ولهذا السبب كبلت القروض أعداداً كبيرة من الناس وأصبح دخلهم لا يكفي لسداد القرض والوفاء بمتطلبات المعيشة من كساء وغذاء وأجرة مسكن وقسط سيارة وغيرها، مما أدخل كثيراً منهم دائرة الفقر والعوز في سبيل تحقيق أمور أساسية، ولعل القرض السكني الطويل الأمد مع الفوائد التراكمية أسوأ أنواع القروض ناهيك عن القروض الاستهلاكية التي يتم استهلاكها وتبقى قروضها كالعظم في المريء. اليوم صندوق التنمية العقاري يستحدث أنواعاً جديدة من القروض مثل برنامج ضامن، والقرض الإضافي، والقرض المستعجل وكلها في ظاهرها تصب في صالح المقترض وتساعده على امتلاك سكن، وفي باطنها تزيد الطلب على الأراضي وبالتالي ارتفاع أسعارها، أليس الأيسر والأسهل أن تقوم الجهات المعنية في البنك ووزارة الاسكان وغيرها بتصميم نماذج مختلفة لشقق وفلل ومنازل لا تزيد تكلفة بنائها على (500) ألف ريال وهي قيمة القرض، أليس من الأجدى التوجه بمعاضدة وزارة التجارة إلى وسائل تحد من المغالاة بأسعار مواد البناء وعدم ترك المواطن ضحية لجشع التجار، أليس من الأجدى توفير مواد البناء بأسعار مناسبة حتى لو أدى ذلك إلى إلغاء التعرفة الجمركية عليها، وأبعد من ذلك دعم أنواع محددة منها، إليس من الأجدى تحديد أسباب ارتفاع أسعار العقار والعمل على حل كل واحدة منها وتخفيف آثارها والتي يتمثل بعض منها في: * زيادة عدد السكان وخصوصاً في ظل تزايد العمالة الوافدة وغير النظامية السائبة. * شح الأراضي نتيجة عدم التخطيط أو الاحتكار مع أننا في بلد ذي مساحة شاسعة. * ارتفاع أسعار مواد البناء وارتفاع تكلفة الأيدي العاملة والمغالاة فيها. * قلة العرض بسبب ارتفاع التكلفة من ناحية والتجفيف من ناحية ثانية. * عدم السماح بالتمدد الرأسي والاستمرار في التمدد الأفقي ما يسببه ذلك من تكاليف لايصال الخدمات. * تقادم كثير من المنازل والفلل والأبراج السكنية مع عدم الصيانة قصر من عمرها الافتراضي. * إهمال الأحياء الشعبية وتركها فريسة للتدهور أو الاستغلال من قبل العمالة غير النظامية. * ترتب بعض ما سبق هجره الناس من الأحياء الجديدة طلباً للأفضل والأمن والأحدث والأوسع. * شغف الناس بالمساكن الكبيرة بسبب ارتفاع عدد أفراد الأسرة من جهة وعدم وجود بدائل للتفسح والاستجمام، ناهيك عن التنافس وحب التميز والظهور. كل ذلك وغيره يحتاج إلى دراسات ميدانية وحلول آنية محصلتها خفض التكلفة وزيادة المعروض وبالتالي إعادة التوازن إلى سوق الاسكان. أعود إلى صندوق التنمية العقاري الذي انشئ عام (1395ه) عندما كانت البنية التحتية في جميع مدن المملكة أكثر من متواضعة وكان السكن الشعبي في بيوت الطين هو السائد، وحيث إن ذلك قد صاحبه طفرة كبرى في المشاريع نتيجة الوفرة فإن ذلك أدى إلى أزمة سكن خانقة ولذلك فقد تم تخطيط كثير من الأراضي وطرحها للمساهمة العامة بأسعار متواضعة حققت أرباحاً كبيرة لكثير من المساهمين مما أهلهم لامتلاك أرض والحصول على قرض سكني مقداره (300) ألف ريال أو قرض خاص يصل الحد الأعلى له (10) ملايين ريال، ناهيك عن منح كثير من المواطنين قطع أراضٍ يبنون عليها مساكنهم بالقرض الذي يحصلون عليه مع صندوق التنمية العقاري والذي كان من أهم الدوافع للبناء والتعمير. نعم بهذه الآلية اتسعت مدن وقرى المملكة ودخل النمط العمراني الحديث، وعلى الرغم من تواضع ثقافة البناء والتعمير وتواضع مستوى الأيدي العاملة وتواضع مستوى التخطيط نتيجة تواضع مستوى المكاتب الهندسية في ذلك الوقت، فإن ذلك أدى إلى فك أزمة الاسكان في ذلك الوقت، ومع انحسار المساهمات العقارية وارتفاع أسعار الأراضي وزيادة عدد الطالبين للقرض وتأخر وتيرة منح الأراضي السكنية أو بعدها عن الخدمات أو عدم تطويرها، ناهيك عن احتكار الأراضي وقلة المخططات وزيادة عدد السكان، كل ذلك خفض وتيرة التعمير وأدى إلى قلة العرض وارتفاع أسعار الأراضي والوحدات السكنية بحيث أصبحت بعيدة عن متناول الغالبية العظمى من السكان مما خلق أزمة الاسكان الحالية التي هي نتيجة حتمية لالتهاب أسعار العقار بجميع مخرجاته. إن أمر خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - تفعيل نظام منح المواطن أرضاً وقرضاً ودعم صندوق التنمية العقاري وزيادة رأس ماله أكثر من مرة ووجود مبلغ لدى مؤسسة النقد مقداره (250) مليار ريال كفيل بإعادة التوازن إلى سعوق العقار والاسكان، خصوصاً إذا طلب تقديم تقرير دوري عما يتم انجازه كل أربعة شهور يرفع إلى المقام السامي وينشر في الصحف المحلية ووسائل الإعلام الأخرى، فوزارة الاسكان اليوم مطالبة ب: * القيام بتطوير جميع مخططات المنح السابقة والتي لم تصل إليها الخدمات ولم يتم تطويرها لأن ذلك يدخل ضمن توفير الأراضي السكنية القابلة للبناء والسكن. * استحداث مخططات جديدة وتطويرها ومنحها لكل مستحق للأرض ومن ثم القرض. * توجيه صندوق التنمية العقاري بإعادة العمل بالقرض الخاص الذي توقف قبل عشرين سنة أو يزيد وكان على قائمة الانتظار (750) مستثمراً لا يزالون يأملون فتح باب القرض الخاص الذي كان له أكبر الأثر في حل مشكلة الاسكان الأولى من خلال بناء مجمعات وأبراج سكنية حيث كان ذلك مقصوراً على من يملك أرضاً ويلزمه بناء ست وحدات سكنية على الأقل. وكانت قيمة القرض تتزايد حسب مسطحات البناء ونوعية التنفيذ وكان الحد الأقصى للقرض في حدود (10) ملايين ريال. نعم لقد حان الوقت لإعادة فتح ذلك النوع من الاقراض لأنه سوف يمكن كثيراً من الناس الذين يملكون أراضي سكنية أو تجارية داخل المدينة من استثمار تلك الأراضي من خلال تحويلها إلى مجمعات أو أبراج سكنية وهذا له فائدة كبرى في تحقيق التوازن في سوق العقار وتعجيله. على أن يتم ذلك من حيث توقف أي أن (750) مستثمراً لا زالوا جاهزين للتنفيذ بمجرد دعوتهم لاستلام قروضهم حتى وإن كان ذلك يحتاج إلى شيء من التحديث. * اليوم مستوى الخبرة والوعي وثقافة البناء والتعمير أصبح أفضل بكثير لدى كل من المواطن ولدى المقاولين والشركات المتخصصة والأيدي العاملة، ناهيك عن توفر مواصفات أفضل ومكاتب هندسية استشارية أرقى، كل ذلك يدعو إلى الطمأنينة مع عدم إغفال أن هناك من الانتهازيين الذين يقومون ببناء مستعجل وبمواد رخيصة والوقوف أمامهم بالمرصاد، بالإضافة إلى طلب شهادة معتمدة من قبل مكاتب هندسية محترمة تفيد بمستوى التنفيذ، ناهيك عن توفير ضمانات ما بعد البيع وجعلها إلزامية. * الانفتاح على العالم من خلال الابتعاث أو السياحة أو التجارة أو العلاج أو غير ذلك جعل الناس تطلع على نماذج وأساليب عمرانية جديدة كما جعلهم يطلعون على تكلفة الايجار والبيع، ناهيك عن التنفيذ وحجم المسكن وأولوياته مما ولد ثقافة جديدة انعكست وسوف تنعكس على مدخلات ومخرجات الاسكان في المملكة. * ما يتم إنشاؤه من مساكن ومكاتب يكاد يكون متماثلاً لذلك فإن إيجاد مركز للدراسات السكانية والاسكانية يهتم بالظروف البيئية والمناخية وإيجاد الوسائل التي تكون أكثر ملاءمة لها من حيث أسلوب البناء ونوعية المواد وحجم المساكن وتوفير الغطاء النباتي وتوزيع الاحياء والسماح بالامتداد الرأسي كل ذلك سوف يكون له دور اساسي في الوصول إلى الأفضل والتوازن المطلوب. * إن حل مشكلة الاسكان يعتبر من أهم الوسائل لرفع مستوى المعيشة لأن حل تلك المشكلة يعني خفض أسعار الأراضي وخفض تكلفة البناء وهذا يعني أن المواطن سوف يتمكن من امتلاك سكن من ناحية أو يستطيع دفع الايجار إذا أصبحت تكلفته في حدود (20٪) من راتبه الشهري بدلاً من الوضع القائم الذي يكلف المواطن أكثر من (50٪) من راتبه الشهري. نعم لنطرق جميع الوسائل والسبل التي تمكن من إعادة التوازن إلى سوق العقار ومن أهمها تجعيل حصول الواطن على أرض وقرض لبناء مسكن العمر، وفتح باب القرض الخاص أمام المستثمرين بشرط أن يملك الأرض وينفذ عدد الوحدات السكنية المطلوبة وفق مواصفات الصندوق وشروطه والله المستعان.