قبل سنوات قليلة جمعتني قناة فضائية مع احد الدكاترة في حوار لم يكن حول الابداع والإخراج والفن. بل كان حول قضيتنا البدائية (السماح بفتح صالات سينما تجارية). جاء الرجل إلى الاستديو متأبطا ملفا مليئا بالإحصائيات والدراسات والمحاضرات والمقالات عن كل المشاكل والطوام التي يعانيها المجتمع. المخدرات والطلاق والعنوسة والجرائم والعضل. بعد أن سرد إحصاءاته المفزعة قال بنشوة المنتصر. أيهما اهم يا أستاذ (حط عينه في عيني) أن نركز على هذه المواضيع الخطيرة التي تهز كيان المجتمع وتفتك به (خبط بقبضته على الملف المكتنز المفتوح) ام نبدد وقتنا وجهدنا على مواضيع تافهة كسياقة المرأة للسيارة وفتح صالات سينما ورياضة المرأة. لمست في كلامه شيئا من الاحراج ولا اعرف كيف اسعفني الحظ وقلت: من طلب منك أن تبدد وقتك؟ لماذا تلبي دعوة سيتبدد فيها وقتك الثمين في مناقشة أمور تافهة. مرر مجلس الشورى قبل أيام رأيه في تبديل وقت الإجازة الأسبوعية في المملكة من الخميس إلى السبت. موضوع تقني خالص. لا علاقة له بالدين ولا علاقة له بالمجتمع ولا علاقة له بالمثقفين. لكن بوصفه تافها أنبرى المحاربون للتفاهات والداعون إلى عظائم الأمور ليذكروا أعضاء مجلس الشورى والمطبلين لهم من كتاب الجرائد بعظائم الأمور مثل المخدرات وأزمة السكن والبطالة وعضل المرأة. كتبت إحدى الأخوات مقالا تعارض فيه القرار وحشدته بحساب ساعات توافق المملكة مع اليابان وأستراليا وجزر الفوكلاند وامريكا وهاواي الخ قررت فيه أن قرار مجلس الشورى خاطئ لا نفع فيه على المستوى العملي. لا يحقق سوى التشبه باليهود في سبتهم. وجريا على العادة رشت آخر المقال بالدهانات الملونة المحفزة على الكرامة والعزة والاستقلالية وبلاد الحرمين ولم تنس ابدا أن تنصح مجلس الشورى الاهتمام بالمخدرات وصناعة الطائرات والصواريخ والمدافع وعضل المرأة. لا أعرف آلية عمل مجلس الشورى. ولكن من الواضح أن ما بذلته اختنا من جهد في حساب الساعات يفوق ما أنفقه مجلس الشورى من دراسات وابحاث ليتوصل إلى قراره. لا أعرف لماذا تتضاعف التفاهات. لماذا يتواضع أصحاب عظائم الأمور ويقرؤون أو يصرفون من وقتهم الثمين في ملاحقة كتاب وقرارات التفاهات. يجب أن يبقى كل في اختصاصه: قسم التفاهات مثل سواقة المرأة، السينما، وإجازة نهاية الأسبوع وغيرها، يقابله من الجهة الثانية قسم عظائم الأمور. وفي النهاية سيكون عندنا صالات سينما وصناعة صواريخ.