للمرأة العربية حضور كبير في كثير من معارك المسلمين ففي معركة اليرموك كان للمرأة العربية دور كبير في مؤازرة المسلمين وتشجيعهم على مواصلة القتال. ففي معركة اليرموك قاتل العرب قتالاً شديداً وكانوا كلما وهنوا في القتال وانكشف صفٌ من صفوفهم أمام ضغط العدو الهائل تدخلت النساء يضربن الرأي ما رأيت، فأمرهن بذلك ففعلن وعلون على التل وحصن أنفسهن ومعهن الأطفال، فقال لهن أبو عبيدة: خذن بأيديكن أعمدة الخيام واجعلن الحجارة بين أيديكن وحرضن المؤمنين على القتال فإن كان الظفر لنا فكن على ما أنتن عليه. وإن رأيتن أحداً من المسلمين منهزماً فأضربن وجهه بأعمدتكن وأحصبنه بحجارتكن وارفعن إليه أولادكن وقلن له قاتل عن أهلك وعن دين الإسلام. فقالت النساء جميعاً وبصوت واحد: أيها الأمير أبشر بما يسرك. رؤوس الخيل المرتدة بأعمدة الخيام ويحصبن وجوه أزواجهن واخوانهن المنهزمين بالحجارة ويعدون بين أرجل الخيل يطاردن الأعداء ويضربن بالسيوف حتى تُرجح كفة العرب على عدوهم فكانت المعركة بحق هي معركة النساء العربيات المؤمنات الصادقات ضد القوات الغاشمة الطاغية. ورد في كتاب فتوح الشام للواقدي: أنا أبا سفيان قال لأبي عبيدة بن الجراح أيها الأمير مر نساءنا أن يعلون على هذا التل. قال أبو عبيدة: نعم وعندما حمي وطيس المعركة وشد الروم على المسلمين وكانوا أكثر عدداً من المسلمين بفارق كبير جداً انكشفت ميمنة المسلمين فنكصت الخيل على أعقابها من هول المعركة ورأت نساء المسلمين انكسار رجالهن فتنادين قائلات: يا بنات العرب دونكن الرجال ردوهم من الهزيمة حتى يعودو إلى الحرب. وقالت سعيدة بنت عاصم الخولانية: كنت في جملة النساء يومئذ على التل، فلما انكشفت ميمنة المسلمين صاحت بنا عُفيرة بنت غفار ونادت: يا نساء العرب دونكن والرجال واحملن أولادكن على أيديكن واستقبلنهم بالتحريض على القتال. فأقبلت النسوة يرجمن وجوه الخيل بالحجارة وجعلت بنت العاص بن منبه تنادي: قبح الله وجه رجل يفر عن حليلته، وجعلن النساء يقلن لأزواجهن لستم ببعولة لنا إن لم تمنعوا عنا هؤلاء الاعلاج. وكانت خولة بنت الأزور، وخولة بنت ثعلبة الأنصارية وكعوب بنت مالك بن عاصم، وسلمى بنت هاشم ونعم بنت فياض، وهند بنت عتبة بن ربيعة، ولبنى بنت جرير الحميرية، متحزمات وهن أمام النساء والمزاهر معهن، وكانت خولة بنت الأزور تحرض المؤمنين على القتال قائلة: يا هارباً عن نسوة تقات لهن جمال ولهن ثبات تسلمونهن إلى الهنات تملك نواصينا مع البنات أعلاج سوق فسق عتات ينلن منا أعظم الشنات فرجع الفرسان يُحرض بعضهم بعضاً على القتال فكرّ المسلمون على عدوهم كرة عظيمة ونالوا منه. وخرجت هند بنت عتبة وبيدها مزهر ومن خلفها نساءٌ من المهاجرين وهي تقول الشعر الذي قالته يوم أُحد وهو: نحن بنات طارق نمشي على النمارق مشي القطا الموافق فيدي مع المرافق ومن أين نفارق أن تقبلوا نعانق أو تدبروا نفارق فراق غير وامق هل من كريم عاشق يحمي عن العواتق ثم استقبلت خيل ميمنة المسلمين المرتدة فلما رأتهم منهزمين صاحت بهم: إلى أين تنهزمون؟ أمن الله وجنته تفرون وهو مطلع عليكم؟! ونظرت إلى زوجها أبي سفيان منهزماً فضربت وجه حصانه بعمودها وقالت له: إلى أين يا ابن صخر؟! ارجع إلى القتال وابذل مهجتك حتى تمحص ما سلف من تحريضك على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الزبير بن العوام: فلما سمعت كلام هند لأبي سفيان ذكرت يوم أُحد ونحن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فعطف أبو سفيان عندما سمع كلام هند وعطف المسلمون معه ونظرت إلى النساء وقد حملن معهم، وقد رأيتهن يسابقن الرجال وبأيديهن العمد بين أرجل الخيل، ولقد رأيت منهن امرأة وقد أقبلت إلى عليج عظيم وهو على فرسه فتعلقت به وما زالت به حتى نكسته عن جواده وقتله وهي تقول هذا بيان نصر الله للمسلمين. يوم التعوير وفي يوم التعوير الذي يعتبر من أيام معركة اليرموك ذكر الواقدي رواية عن عبدالله بن قرط الأسدي فقال: شهدت القتال كله فلم أر قتالاً أشد من قتال يوم التعوير فقد رجعت الخيل على أعقابها وقاتل الأمراء بأنفسهم والرايات بأيديهم حتى كان أبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص والمسيب بن نجبة الغزاري وعبدالرحمن بن أبي بكر الصديق والفضل بن العباس يقاتلون قتالاً شديداً. قال عبدالله بن قرط فقلت في نفسي كم مقدار ما يقاتل هؤلاء وهم نفر يسير حتى ساعدتنا النساء اللاتي شهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، يداوين الجرحى ويسقين الماء ويبرزن إلى القتال. ولم أر امرأة من نساء قريش قاتلت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في اليمامة مع خالد مثل ما قاتلت نساء قريش يوم اليرموك حينما دهمهن القتال وخالط الروم المسلمين فضربت بالسيوف ضرباً وجيعاً. وكان قد انضم النساء المهاجرات إلى غيرهن وقامت الحرب على ساق، وتنادت النساء بأنسابهن وأمهاتهن وألقابهن وجعلن يقاتلن قتال الموت ويضربن وجوه الخيل بالعمد ويلوحن بالأطفال، وجعلت النساء بعضهن يقاتل المشركين وبعضهن يقاتل المسلمين حتى رجعوا إلى قتال المشركين وبعضهن يسقي الماء وبعضهن يشد على الجراح. فبينما هن يقاتلن وقد هجمت الرجال إذ انهزمت نساء لخم وجذام وخولان، فخرجت خولة بنت الأزور، وأم حكيم بنت حكيم بن الحرث، وسلمى بنت لؤي، وجعلن يضربن وجوههن ورؤسهن بالعمد ويقلن اخرجن من بيننا فأنتن توهن جمعنا. فرجعت نساء لخم وجذام يقاتلن قتال الموت، وقاتلت أم حكيم بنت الحرث أمام الخيل بالسيف وما تسمع يؤمئذ صوتٌ واحد من النساء غير صوت واعظة تعظ. وأمام أم حكيم فإنها تنادي: يا معشر العرب احصدوا الغلف بالسيوف. وأما أسماء بنت أبي بكر فإنها قرنت عنانها بعنان زوجها الزبير بن العوام فما كان يضرب إلا ضربت مثله. قال: فصبر المسلمون على القتال حين رأوا النساء يقاتلن قتال الموت ويقول الرجل لمن يليه إن لم نقاتل نحن هؤلاء فإننا أحق بالخدور من النساء. إنها صورة حية من بطولات نساء المسلمين تحدث عنها الواقدي حيث كانت المرأة العربية منارة تشع منها البطولات وما أحوج نساء اليوم إلى التأسي بهؤلاء النسوة اللاتي ساهمن بصنع التاريخ.