زعم لي أكثر من قارئ أنه يستطيع أن يتعرف عليّ من خلال أسلوبي. وأرجو أني بلغت تلك المرحلة. والحق أن الأسلوب هو الرجل، والأسلوب هو الدال على صاحبه وفكره. وأرى أن هناك علاقة بسيطة بين الكاتب ولغته الخاصة قبل أقل من عام نشرت في هذه الجريدة حديثاً كان عنوانه: لماذا أكتب. وقد لقي من القراء قبولاً واسعاً. وكتب بعضهم تعليقات ذات فائدة كبيرة، ومما اقترحه بعض القراء أن أكتب عن أسلوبي أو كيف أكتب. وأذكر أنني في سنوات ماضية استضافني النادي الأدبي في الرياض لأتحدث عن كتابتي للمقال. وهو حديث تناول تجربتي الشخصية في كتابة المقال التاريخي والسياسي والثقافي وهي الميادين المعرفية التي أمتهنها وأعرفها. وكان الحديث عن الأسلوب. والأساليب عديدة بتعدد العلوم. وأنا من المؤمنين بمقولة أفلاطون: طبائع الشخص أسلوبه، وبمقولة بوفون: الأسلوب هو الإنسان. لهذا أستطيع أن أعرف بعض الكتاب من أسلوب كتابتهم. وزعم لي أكثر من قارئ أنه يستطيع أن يتعرف عليّ من خلال أسلوبي. وأرجو أني بلغت تلك المرحلة. والحق أن الأسلوب هو الرجل، والأسلوب هو الدال على صاحبه وفكره. وأرى أن هناك علاقة بسيطة بين الكاتب ولغته الخاصة. وأحرص أن يكون أسلوبي يقع على السامع والقارئ وقوعاً سلساً هيناً، لأنني أجتهد أن يخرج القارئ وقد تحقق له الإقناع أو الإمتاع أو كليهما. وهو ما ذهب إليه ستاندال عند حديثه عن الأسلوب: السعي لإحداث التأثير الفكري. وأحرص أن أختار كلماتي بعناية، وأن تكون داخلة ضمن قاموسي اللغوي، حتى يستطيع القارئ أن يتبين من أنا من خلال كتابتي لا من خلال اسمي الذي يتصدر المقالة. وأعترف أنني تأثرت بكتاب عرب وغير عرب. ومن العرب الدكتور طه حسين، والأستاذ أحمد أمين، ومن غيرهم ألبرت حوراني وكتّاب المقالة التاريخية الألمان وهم كُثر. ولكنني طورت هذا التأثر ليتسق مع الأسلوب الصحفي الرزين وأخذت من كبار الصحفيين العرب وغير العرب طرائق زاوجتها مع ثقافتي المنفتحة. وبعد قراءات واسعة أستطيع أن أقول: لقد توفر لي أسلوب خاص بي، ولكنه لا يبلغ الأساليب الأدبية التي أضحت ماركة مسجلة لصاحبها مثل أسلوب الجاحظ، أو أبو حيان التوحيدي، أو طه حسين أو محمود عباس العقاد أو أميل زولا وغيرهم كثير. وأحرص أن تكون جملتي قصيرة، وأن أبدأ بفعل ما وسعني الأسلوب العربي الذي يسمح ببدء الجملة بالاسم. وأسعى إلى تقليل الضمائر. والاستطراد. وألتزم ما استطعت بعلامات الترقيم. كما أنني من المؤمنين بمقولة الشاعر شكسبير: الإيجاز خلاصة الذكاء، ولهذا فلا أحب الاستطرادات الواسعة أما كتابة المقالة نفسها فإنني ألتزم الأسلوب الغربي الذي تعلمته خلال دراستي في الغرب، وهو أن أبدأ بسطر أو سطرين بمثابة توطئة منطقية بين يدي الموضوع، ثم أشرع في الدخول إلى الموضوع مبتدئا بالبسيط فالمعقد، وبالمعروف ثم غير المعروف وهكذا، وأعرض الموضوع بيسر وسهولة، وقد أثير سؤالا أو اثنين على الأكثر، وأحب أن يكونا في غير صيغة السؤال المباشر، ولا أبدأ مقالي بسؤال اطلاقاً، ثم أعرض الآراء التي تخدم المقال، ثم اعرض رأيي ليكون خاتمة المقال. ولي فلسفة أحببتها ويظهر أنني أخذتها من الدكتور طه حسين أو من قراءاتي في اللغة الإنجليزية. وهي أن أجعل عنوان مقالي كلمة أو كلمتين أما الثلاث فنادراً، وألا أجعل العنوان سؤالاً. إلاّ في هذا الحديث والحديث الذي أشرت إليه. وسبب ذلك أنهما سؤالان وجها لي. وإذا وجدت أيها القارئ عنواناً طويلاً أو جاء على شكل سؤال فاعرف أن ادارة التحرير في الجريدة هي من غيرت لأسباب أجهلها. وفي مقالي أحرص أن أكون متواضعاً ديمقراطياً أحترم القارئ، وأعطيه حرية التفكير، ولا أجزم برأي إلاّ في المجزومات. وأحرص ألاّ أكرر نفسي أو أكرر موضوعات سبق تناولها غيري، إلاّ إذا توفرت عندي معالجة جديدة، أو مقاربة أخرى. وأحمد الله أنني أستطيع تناول ثلاثة ميادين واسعة وهي: التاريخ والسياسة والثقافة. لهذا لا أشعر أنني في ضيق من أمري. وأحب أن أتناول بعض المسائل الدينية، لكنني أتناولها من جانب تاريخي. أما الشأن العام فهو واسع، وقليلا ما أتعرض له، بسبب وجود عدد كبير يتناولونه وأصبحوا مبرزين فيه، ولا اشعر أن الساحة في حاجة إلى مزيد من الكتّاب. وأمر آخر أن تكويني الثقافي ذو صبغة فكرية. والشأن العام لا يحتمل الفكر المجرد. وأختم بأن اللغة مهمة جداً للكاتب، لهذا فأنا أسعى ما وسعني السعي إلى التحكم في لغتي. أحرص أن تكون لغة عربية لا تتنكر للقواعد اللغوية ولكنها منفتحة على أساليب أجنبية، بشرط أن أضعها في قالب عربي مبين.