والآن وقد وضعت عمليات انتخابات المجالس البلدية في المملكة أوزارها بانتهاء المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية، التي شملت مناطق مكةالمكرمة والمدينة المنورة، والقصيم، وحائل، وتبوك، والحدود الشمالية. وبعد ملاحظة أهم المخالفات لقواعد الانتخاب، وأكثرها تكراراً في جميع مراحل الانتخابات، والتي أشار إليها المجلس الوطني لمراقبة الانتخابات في المملكة في مؤتمراته الصحافية التي أعقبت كل مرحلة من مراحل الانتخابات نلاحظ أن أكثر هذه المخالفات يبرز في استعمال الهاتف الجوال داخل المراكز الانتخابية، ومحاولة التأثير في الفئات الأمية من الناخبين الذين ترتفع نسبهم في بعض المناطق أكثر من مناطق أخرى. وفي رأيي الشخصي ومن واقع تجربة المشاركة في عمليات مراقبة الانتخابات أن العاملين يعودان إلى ضعف الحس الانتخابي لدى بعض الناخبين والمرشحين، وكذلك ضعف إدراك أهمية إبداء الرأي الحر الذي يعبر عن ضمير المنتخب عن أصلح المرشحين لتحقيق الأهداف البلدية لخدمة مدننا ومجتمعاتنا السكانية. وعلاج المخالفة الأولى يكمن في زيادة جرعات التوعية الموجهة للناخبين والمرشحين للالتزام بقواعد الانتخابات، والكف عن التأثير غير الموضوعي في اختيار الناخب لمرشحه، ووضع العقوبات الصارمة حيال هذه المخالفات. إن أهم ما يستحقه المرشحون هو إتاحة الفرصة لهم بشرح برامجهم -بمختلف الوسائل- التي يمكن أن تعزز العمل البلدي، وترك الاختيار للناخبين، والبعد عن عبارات الأمر التي تفرض على الناخبين بانتخاب زيد أو عمرو.وكذلك على الناخبين تكوين فكرة موضوعية قبل يوم الانتخاب عمن يريدون انتخابه، وعدم ترك ذلك للحظات الأخيرة باستعمال الجوال داخل المراكز الانتخابية للسؤال عمن انتخب؟، أو رقم المرشح المرغوب في ترشيحه من قبل مجموعة أو فئة معينة. أما علاج المخالفة الثانية-فيبدو لي والله أعلم- يحتاج إلى قرار شجاع يتم الأخذ به في الدورات الانتخابية القادمة تمنع الأميين من المشاركة في العملية الانتخابية. فبدلاً من منع النساء والعسكريين على العموم من ممارسة حق الانتخاب، كان الأولى منح حق الانتخاب عن الأميين من النساء والذكور سواء كانوا عسكريين أو غير ذلك. وبذلك نضرب عصفورين بحجر واحد وهو إتاحة حق الاقتراع في النهاية للجميع، وحفز الأميين على الاشتراك في برامج محو الأمية والقضاء على الأمية في بلادنا. ولاشك أن مثل هذا القرار صعب وقد ينظر إليه البعض بأنه قاس، ولكن كما يقال:«آخر العلاج الكي». إن الكثير من النساء والعسكريين هم على مستوى عال من التعليم والقدرة على إبداء الرأي، فضلاً عن حاجتهم للخدمات البلدية، فهم جزء من المجتمع السعودي الذين يجب عدم تهميشهم من المشاركة في عمل وطني له تأثيره على سكنهم ومعيشتهم. ولهذا فإن مشاركتهم في العملية الانتخابية هي ضرورة ملحة جداً تحقيقاً لمبدأ المشاركة وممارسة حق إبداء الرأي. فإذا كانت العملية الانتخابية تهدف إلى تحقيق المشاركة الشعبية الفاعلة في إدارة شؤون المدن وتحديد احتياجاتها واختيار أفضل السبل والآليات لتحقيق هذه الاحتياجات فلابد من إعطاء الحق كاملاً لم يستطيعون فعلياً المشاركة في هذه العملية بوجدانهم وتفكيرهم وسلوكهم وقناعتهم دون تأثير يستغل عدم قدرة البعض التمييز بين مرشح وآخر، ومدى صلاحية واحد على الآخر، بل لا بد من تعزيز الآليات التي تساعد على الانتخاب الحر البعيد عن التكتلات القبلية أو المالية أو الحزبية-لاقدر الله- أو ذات الارتباط بالمصالح الشخصية الضيقة.