الشعب الأمريكي، رغم ما مرّ به من صراعات عنصرية، إلاّ أنه غير عدائي، ولكن سطوة الإعلام تؤثر في توجهاته وصياغة قناعاته وآرائه، وبسبب الوفرة الهائلة لمتطلباته، لا يعنيه الخارج إلاّ بما يضاعف المخاطر على أمنه، كحرب فيتنام، أو أحداث 11 سبتمبر أو زيادة الضرائب على مدخولاته، ولذلك لا يكون مدققاً بالأحداث وفرزها مثل الشعب البريطاني، الذي لا تخدعه الأخبار العاجلة التي لا توجد لها قرائن ومواثيق. حادث «بوسطن» رفع درجة حرارة العالم، وكان مجرد وجود سعودي يحضر السباق، كان هدفاً لنشر خبر مكذوب ومغلوط ألصق فيه الاتهام، بناء على ما جرى بأحداث 11 سبتمبر وقطعاً فإن شعباً يخضع لآلة إعلامية رهيبة ومسيسة، ويسيطر عليها صهاينة محترفون بالتلفيق بأنه ارهابي، ليأتي رد الفعل من كل عربي ومسلم، وحتى غيرهما من غير البشرة البيضاء والعيون الزرق معرضا للاتهام والمطاردة، لكن المفاجأة كانت مخيبة لآمال من قدموا الضحية على القاتل، فبرر أخوين شيشانيين أنهما الضالعان بالجريمة، فأسقط الإعلام غير الموضوعي. المشكل أن أي سابقة تسجل على أنها امتداد لغيرها، لكن دعونا نتحدث عن المسلم المضطهد في المجاميع السكانية الكبيرة في الهند، وميانمار والفلبين وتايلند وحتى أمريكا والشيشان ومع ذلك تسقط حقوقهم لصالح من يعتدون عليهم بمعنى أنه ليس كل مسلم أو غيره ينشأ ويترعرع لتكون جيناته إرهابية، بينما يعيش بيننا في المملكة تحديدا مئات الآلاف من الأوروبيين والأمريكيين، والملايين من الآسيويين دون أن يتعرضوا للأذى أو فصل عنصري، أو اتهامات بالارهاب، بل نحن من ظل يواجه أخطر مجابهات الارهاب التي جاءتنا من مصادر مختلفة، وحاولت زرع خلايا في كل مكان في وطننا. لسنا على خط نزاع مع أمريكا، لكنها كدولة عظمى خلقت صداقات وعداوات ليس مع الحكومات وإنما مع الشعوب وأصحاب الأديان والقوميات وغيرها، وتتصرف وفقاً لما تراه يخدم اتجاهاتها ويلبي رغباتها، لكن التصرفات التي يسوغها بعض السياسيين وبمنطق الرأي الخاص أو الأجهزة التي لها قابلية صياغة الفكر العام، هي من تصعد تلك الخلافات وتدفعها إلى العداوات، ونحن لسنا ضد الشعوب ومعتقداتها وتوجهاتها إلاّ بما يضر أمننا ومصالحنا، ولذلك فإن المخاوف التي صاحبت الحادثة، وضعت العرب في حالة استنفار نفسي لأن رد الفعل عند الشارع الأمريكي والمعبأ أصلاً ب «فوبيا» الإسلام والعرب، سيتصرف على ضوء رد الفعل المخزون بالنفوس، وكنا بالمملكة الأكثر خوفاً لوجود ما يزيد على سبعين ألف طالب يدرسون فيها مما سيعرضهم للأذى والمطاردة وربما العودة إلى بلادهم نتيجة خطأ أفراد أو جماعات لا علاقة لهم بما يفكرون أو يتصرفون به، سواء بعمل ارهابي، أو عمل يخترق قوانين وأمن أمريكا. المحصلة أن الذين قاموا بالتفجير شيشان، وحتى كتابة هذه السطور لا تعرف أهدافهم، وعلى أي شيء يحتجون أو يمارسون عملاً اجرامياً، وفي كل الأحوال فإن ما جرى أحدث أخطاء تسرعت بها أجهزة إعلامية أمريكية وعربية، ومع ذلك ثبت عكسها.