ليس من مصلحة ألمانيا كسب عداء مليار ونصف المليار مسلم حتى لو اعتبرت حرية النشر والتظاهر مكفولة بدستورها عندما تسمح إحدى محاكمها لمتظاهرين أمام أحد المساجد برفع رسوم «كاريكاتورية» تسيء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبنفس الوقت تعلن محكمة أخرى الحكم بالسجن على رئيس كتلة الحزب القومي الألماني بالسجن ثمانية أشهر لمجرد إنكاره ما سمي بمحرقة اليهود. نعرف حساسية ألمانيا تجاه إسرائيل، واليهود عموماً، فهم كوابيس يلاحقون الألمان في مراقدهم وعيشهم وسياستهم، ولأنه كلما حاول العالم نسيان تلك الواقعة، أيقظها اليهود بسلسلة من المناحات، والأفلام والصور، والنشر في مختلف وسائل الإعلام العالمية، وحتى التعويضات المفروضة قسراً على كل العهود الألمانية، لا توقف أو تخفض بمجيء حكومة أو حزب، وإلا فالسياط موجودة لجلد كل ألماني بسياط اليهود. النازيون الجدد، سواء من أصدر الأحكام أو قام بالتظاهرات يدركون أن استفزاز المشاعر، وخاصة بالجوانب الدينية، عمل قد يفجر مختلف الصراعات، ونعرف كيف عاشت الدنمرك أزمة حادة مع المسلمين بسبب نشر إحدى صحفها نفس الصور التي رفعها المتظاهرون الألمان، وما يعتبر إجازة وحرية، يستحيل هضمه لمن يرى مقدساته ونبيه يهانان، ولا يمكن لأي مسلم أن يقوم بنفس الفعل بأنبياء الديانتين المسيحية واليهودية بالسخرية، أو التطاول على عيسى وموسى، لأن ذلك من المحرمات بالدين الإسلامي، وهذا يعني أن المسلم يملك من الروادع والأخلاق ما يرفعه منزلة عمن يعادون ديانة بعينها لغايات سيئة. ألمانيا تدعي أنها من الدول التي تكافح الإرهاب، وبهذه الحال كيف تساعد على استفزاز المسلمين ليقوموا بالدفاع عن نبيهم ومقدساتهم بما يرونه مساوياً لفعلها ليتصرف متشددون بالرد بالأسلوب الذي يعتقدون أنه يناسب من قام باستفزازهم؟ وهل لألمانيا مصلحة أن تخلق صراعاً مع أقليتها المسلمة، والتي غالبيتها من الأتراك، وماذا عن رد فعل الحكومات الإسلامية لو قامت تظاهرات لشعوبها تفرض مقاطعة كل ما هو ألماني بداعي التحريض العنصري والتفرقة الدينية، أليس هذا من حقهم، ثم ما هي المكاسب لألمانيا، الدولة والأحزاب والشعب من التعدي على هذه الأكثرية العالمية؟! تحتاج ألمانيا إلى ما يعرف بالدبلوماسية الوقائية، أي أن فض الاشتباك مع العالم الإسلامي يحتاج إلى مهارة بصياغة العلاقات، وإلا ماذا لو أشيع عنها أنها تتبع رسمياً سياسة نازية ضد المسلمين، لتضع نفسها في أزمة مع عالم كبير لديه حساسية خاصة أمام مقدساته، وقد لا يفسر الموقف أنه حرية رأي، وخاصة أمام خصومات وعداوات بين الأديان لم تُزلها التطورات في الحضارة الحديثة، ونحن نرى إصدار تعاليم بمنع الختان، وهو أمر مشترك بين المسلمين واليهود، وكذلك منع الحجاب والصلوات بالحدائق العامة، مما يفسر بأنه تدخل في حق مشروع للعبادة، ليصبح التساوي بحرية النشر احترام مقدسات وحرية العبادة. أما أن تسود الفوضى، فإن الخاسر طرفا العلاقة، ليس بالجوانب الاقتصادية فقط، وإنما بالجانب الإنساني والديني.