يحار الإنسان في تعريف كثير من الأشياء التي يظنها لأول وهلة سهلة التعريف واضحة المعنى، وكثيرون هم أولئك الفلاسفة الذين وقفوا أمام بعض الأشياء، مثل الجمال، والحق، والخير والإيمان... إلخ حيارى لا يحركون ساكناً بالرغم من كل تعريفاتهم المتعددة. ولقد أدرك الفلاسفة بأن الأشياء غالباً لا تبدو بظواهرها بل بما تومىء إليه من معان وأفكار وما تحمل في أعماقها من جوهر وفحوى. إن الإنسان ليحار أشد الحيرة في وصف لحظة قصيرة من لحظات انفعاله او وصف صورة من دقائق خلجاته الفكرية أو النفسية، ويجد نفسه أحياناً وقد خانته الإرادة فيصبح مشلول العقل والجسم فلا يستطيع التحكم في انفعالاته، ولكن ما هي الإرادة؟! إن الإرادة وهي جزء فعاّل من العقل يمكن أن تتبع الإحساس ولكن هذا الإحساس غالباً يخضع إلى ملكات العقل المختلفة، ويمكن بعملية دقيقة أن يتحكم الإنسان في احاسيسه بسيطرة إرادته التي تتبع القدرة العقلية والتي تسيطر على جميع الأحاسيس والانفعالات عند الإنسان. والإرادة مفهوم معنوي حار الكثير من الفلاسفة وعلماء النفس في تحديده وتعريفه تعريفاً كاملاً، ولعل هذا يعود إلى تعدد مظاهر الإرادة وفعاليتها في كل مضامير الحياة، ومن التعاريف الجيدة للإرادة قولهم بأنها (الفعل ساعة خلقه)، وبأنها (الشيء الذي ينبثق من أعماق العقل لتحفيز الإنسان على فعل شيء) وبأنها (الشيء الذي يحدد أهدافنا ويدفعنا إلى الخلق والابتكار) وقد حصر علماء النفس عناصر الإرادة في العوامل التالية: (القوة (أي النشاط)، والمثابرة، والثبات، والوجهة). ويمكن تلخيص ما تقدم في التعريف التالي الذي أراه مناسباً، حيث يمكن تعريف الإرادة بانها (الحافز الذاتي للعمل سواء كان عملاً خلاقاً أو عادياً تدعمه المثابرة والقدرة على العمل ويوجهه هدف واضح وثابت). وعندما نقول ان شخصاً ما يملك إرادة فنحن نعني أنه قوي الشخصية لا يتردد في أي عمل يوكل إليه بل يثابر حتى يصل إلى الهدف والغاية. إن الإرادة هي الميدان الخصب الذي تثمر على ثراه الجهود الموجهة بإيحاء من النفس واقدام من العقل وقوة من الضمير وانبثاق من الوجدان، بل ان الإرادة هي القوة الإيجابية التي تدفع النفس بكل طاقاتها إلى العمل والمثابرة، وما أروع قول المفكر الامريكي ايمرسون عن الإرادة: "ليست هناك قوة حافزة أكبر من الإرادة، وخير للمرء أن يتحول كله إلى ارادة حتى لتصبح الإرادة علماً عليه ويصبح هو علماً على الإرادة" وهو قول قمين بالإكبار والاقتداء. ولعله من المناسب هنا أن نذكر بعض القواعد العملية لتنمية الإرادة عند الإنسان، والتي استخلصتها من بعض الكتب النفسية المترجمة: - اعرف نواحي القوة والضعف في نفسك. - اعتن بصحتك. - نم في نفسك النشاط الإنشائي. - نم في نفسك القدرة على الحسم. - توخ الوصول إلى قراراتك بوحي نفسك وبغير توجيه خارجي. - أعدد نفسك للعمل إعداداً تاماً. - خذ على نفسك (كلمة وعد صادقة) أن تنجز أعمالاً معينة. - ضع نصب عينيك أهدافاً محددة واضحة المعالم. - راجع مدى تقدمك أولاً بأول. - اسع إلى خلق المنافسة. - ابدأ بتدريب نفسك في ميادين العمل التي تمتعك وتلذ لك. - اتخذ لنفسك مثلاً أعلى من الشخصيات المعاصرة او التاريخية. - تسلح بروح الفكاهة والمرح ولكن كن جاداً في بذل الجهد. - اخل بنفسك بعض الوقت كل يوم وتأمل مدى تقدمك. وأخيراً توكل على الله في كل أعمالك، وسر في طريقك إلى الحياة السامية فإن الله معك: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).