حينما التقيت بالمدرب البرازيلي باكيتا اول مرة قبل ان تحط قدماه في نادي الهلال وذلك في مطار البحرين الدولي قلت له مفاجئا هل تعرف ماذا يعني الهلال في المملكة العربية السعودية؟، فقال لي بهدوء: نعم اعرفه تماما، فاردفت سائلا: وهل تعرف ان هذا الفريق سبق وان اشرف عليه مدربون عالميون من امثال زاجالو وماتورانا ويوردانيسكو؟، فكرر إجابته وبذات الهدوء: نعم أعرف ذلك ايضا، ثم سألته بعد ذلك، وهل تعلم ان هذا الفريق الذي تعج خزائنه بالذهب عاش في الموسم الماضي أسوا مواسمه وهو ينتظرك الان في مهمة إنقاذ ؟ فأجاب بنعم ولم يزد!!. هنا ادركت ان هذا المدرب ليس من النوع الذي يتحدث كثيرا فصرت استرق منه الكلمات واحدة واحدة، وحتى هنا فقد عرف ما اريد فإذا به يجيبني: «عفوا ايها السيد لقد جئت للهلال للعمل لا للكلام»!! في هذه اللحظة ادركت ان الهلال سيكون على موعد مع مدرب من نوع اخر لكن رغم ذاك لم يكن اكثر الهلاليين تفاؤلا يتوقع ان يحدث المدرب البرازيلي باكيتا هذا الانقلاب الفني في الفريق الهلالي وهو الذي تسلم الفريق قبل انطلاقة الموسم الفارط بعد ان عاش واحدا من أسوأ مواسمه على الاطلاق قبل شهور قليلة من مجيئه في الموسم الذي تعاقب على تدريب الفريق فيه المدربان الهولندي اديموس والتونسي احمد العجلاني. جاء باكيتا للفريق الهلالي وهو يعج بالمشاكل الفنية إن على مستوى الافراد او المجموعة، فعلى مستوى الافراد عانى الهلال من الاحباط الذي ولده اديموس لعدد من اللاعبين وفي مقدمتهم قائد الفريق سامي الجابر وعلى مستوى المجموعة صارفريق الهلال يقبل «الخمسات» في صورة لم يعتدها طوال تاريخه الرياضي. وحينما تسلم باكيتا المهمة لم يسلم من النقد ومع ذلك فقد سار بالفريق خطوة خطوة حتى حقق معه ما لم يكن متوقعا بعد ان حصد بطولات الموسم بأكملها، اربع بطولات حققها مع الفريق فكيف حدث ذلك؟! هذا السؤال طرحته «الرياض» على عدد من المدربين الوطنيين فكان لنا هذا التحقيق: ثقافة باكيتا البداية كانت مع المحاضر الفني الدولي والمدرب الوطني محمد الخراشي الذي أكد على ان العامل الاول في نجاح باكيتا هو ثقافته الفنية مشيرا إلى ان المدرب البرازيلي كان واضحا من الايام الاولى له مع الهلال انه اخضع الفريق قبل ان يأتي للمملكة لدراسة كاملة حيث عمل تصورا شاملا للطريقة التي سيدير بها الفريق وهو ما يعني انه ادى عملا ممنهجا لم تتداخله اجتهادات. ويضيف الخراشي: «ولعل مما اسهم في نجاح باكيتا تشكيله مع مدرب اللياقة البرازيلي مادينا ثنائيا متجانسا خاصة وان الاخير يعد خبيرا باللاعب السعودي فضلا عن خبرته العريضة كمدرب لياقة والتي تصل ل«40 سنة» حيث بات يجيد قراءة احتياجات اللاعب السعودي قراءة كاملة بالاضافة الى ثقافته في هذا المجال، وبالاضافة الى ذلك فإن باكيتا ومن خلال خبرته في العمل مع القطاعات السنية حيث قاد منتخبي البرازيل للناشئين والشباب لتحقيق بطولة العالم فقد نجح في تشكيل مزيج من لاعبي الخبرة والشباب وهو ما اعطى الفريق روحا جديدة وفوق هذا وذاك تعامله الحضاري مع الخصوم حيث ظهر جليا ومن خلال تصريحاته الاعلامية وطريقة ادائه الفني تقديره لكل المنافسين وهو ما جعله يعتمد اسلوب السهل الممتنع فهو دائما يبحث عن الفوز مع الحذر من الخسارة بكافة السبل». وشدد الخراشي على ان ثمة عامل مهم في نجاح باكيتا لا يمكن تقاضيه وهو تقديره واحترامه للاعبي الخبرة مضيفا: «إن من الاخطاء الكبيرة التي وقع فيها اديموس رغم انه اسم معروف وذو ثقل في عالم التدريب هو عدم اجادته التعامل مع اللاعبين وبخاصة اصحاب الخبرة وهو ما جعله يخلق لنفسه اجواءا غير صحية من خلال تعاليه على اللاعبين والاحباطات التي مارسها مع بعضهم وهو ما كان على العكس منه باكيتا الذي استطاع ان يوظف لاعبي الخبرة بطريقة اسهمت في نجاحه فقد قدم - مثلا - سامي الجابر واحدا من اروع مواسمه ومثله الشلهوب والمفرج وغيرهم وبفضل ذلك استطاع ان يوجد في كل مركز لاعبين فاعلين تمكنوا من احداث توازن في جميع الخطوط وفوق هذا وذاك نجاحاته في اختيار اللاعبين الاجانب لاسيما تفاريس وكماتشو». قراءته الجيدة ويرى المدرب الوطني خالد القروني ان اهم عامل تميز به باكيتا هو القراءة الجيدة لفريقه او للفرق الاخرى وهو ما ظهر واضحا في تعاطيه مع المباريات حيث كانت اساليبه مفاجئة وتشكيلاته كذلك وهو ما جعله يواجه انتقادات شديدة في بادئ الامر غير انه اثبت نجاحه. ويضيف القروني عوامل اخرى لنجاحات باكيتا بقوله: «من العوامل المساعدة الاخرى اختياره الناجح للاعبين الاجانب حيث كانت الادوار التي يؤديها تفاريس في الدفاع كبيرة بالاضافة الى ما كان يؤديه كماتشو في الهجوم وهما المركزان اللذان حركا الفريق كثيرا وفضلا عن ذلك قدرته في اعادة عدد من اللاعبين الى مستوياتهم كسامي الجابر ونواف التمياط والمفرج وفوق هذا وذاك اعطاؤه الفرصة لعدد من اللاعبين الشباب كمحمد العنبر واحمد الصويلح وفهد سرور والياس والموري وهو ما اعطى الفريق حيوية كبيرة». ولا ينسى القروني الدور الذي لعبه مدرب اللياقة الخبير مادينا والجهاز الطبي بقيادة برنابوك بقوله: «من يعرف الاجهزة التي تعمل مع باكيتا يدرك مدى المساعدات التي وجدها ولعل ابرزها ما حصل عليه من مدرب الاعداد مادينا الذي يقوم بادوار كبيرة فضلا عن دور الاجهزة الطبية التي اراحته كثيرا». ويشدد خالد القروني على ان ثمة عوامل كثيرة ساعدت باكيتا في النجاح منها الادارة الطموحة بقيادة الامير محمد بن فيصل والذي جند كل امكاناته لخدمة الفريق بالاضافة الى دور الجهاز الاداري المشرف على الفريق والوقفة الكبيرة من اعضاء الشرف. الرجل المناسب في الوقت المناسب ويصف خالد المرزوق مدرب الخليج الوطني باكيتا بانه الرجل المناسب في الوقت المناسب ويضيف: «حينما اقول انه الرجل المناسب في الوقت المناسب فانا اعني بان اختيار باكيتا جاء في اهم مرحلة من مراحل الفريق الذي اسهم في احداث انقلاب كبير في فريق الهلال بعد موسم فاشل مع اديموس فباكيتا مدرب صقل بدليل انه يقود المراحل السنية في المنتخب البرازيلي وهو ماكان يحتاجه الهلال الذي كان يعاني من وجود عدد من اللاعبين الذين تقدم بهم السن وهو ما التفت اليه باكيتا حيث صهر مجموعة من اللاعبين الشباب مع لاعبي الخبرة مما جعله يشكل توليفة كانت هي الافضل طوال مراحل الدوري». ويضيف المرزوق قائلا: «باكيتا استطاع ان يجند جميع اللاعبين طوال الموسم الى درجة انه لم يعتمد على تشكيلة واحدة فلاعب مثل مشعل الموري مثلا كان يقدم مستوى رائعا في مباراة ونراه في الاخرى احتياطيا ومثله الصويلح حيث يسجل حينما يشارك ومع ذلك لا يعتمد عليه المدرب اعتمادا كليا ولهذا السبب لم نجد الهلال - مثلا - متأثرا برحيل الدوخي حيث كان الياس في افضل جهوزيته». قوة الشخصية ويرى مساعد مدرب الاتفاق الوطني عمر باخشوين ان من اهم العوامل التي اسهمت في نجاحات باكيتا هي قوة شخصيته مستدلا على ذلك بقدرته على مواجهة جملة الانتقادات التي واجهها منذ ان بدأ رحلة العمل مع الفريق الهلالي. واضاف باخشوين: «كان واضحا ان باكيتا اراد ان يرسم للفريق استراتيجية خاصة من صنع يده ومن بنات افكاره وهو الامر الذي فاجأ الهلاليين ومن هنا بدا يتوجه له النقد غير انه اصر على ان يمضي بالفريق باسلوبه هو لا باسلوب غيره ومن هنا شاهدنا الهلال فريقا مختلفا عن الموسم الماضي حيث استطاع باكيتا ان يقلب الطاولة في وجه الجميع ويخطف كل الالقاب». ويتفق باخشوين على ان باكيتا استفاد كثيرا من مدرب اللياقة مادينا ويضيف: «لا شك ان باكيتا استفاد كثيرا من مادينا لكن لا بد ان لا نبخس حق مساعده السابق كليبر الذي سبق له العمل في المملكة مع الاتفاق وهو بطبيعة الحال اعطاه قراءة واضحة عن اللاعب السعودي وقبل هذا وذاك كان من الواضح تماما ان الادارة الهلالية قد وفرت له المناخ الصحي للعمل المثمر». وقال المدرب الوطني بندر الجعيثن ان الجهاز الفني كان له دور كبير في الانتصارات الهلالية، فباكيتا سخر خبراته وذكاءه في اختيار العناصر والنهج التكتيكي المناسب لكل مباراة بالاضافة لقراءته الجيدة لاحداث المباريات واجراء التغييرات المناسبة واهتمامه بالنواحي اللياقية والتي سمحت للفريق بتقديم عطاء متميز طوال الموسم.