اضطربت المعايير، وانفتحت الشوارع على الشوارع، مثل خطوط متداخلة مع بعضها بلا تنسيق ولا منطق جمالي ولا عقلي يضع فهما واعيا لهذا التداخل، الكل يريد أن يصطدم مع الكل، ليسجل حادثا ضد مجهول، اصرار مزعج على ارتكاب الأخطاء مع قوة محاججة رخصية لإنكارها، فالحق ما تقوله الحجة، وليس ما تشاهده من حياة في الواقع. فعل الخصومة، أصبح هو السائد، ولا مفر الا باتجاه الخصم، ثقافة ألم، سعى بعض الدعاة لنشرها بين النفوس المتطلعة لسلامة الحال، وكأن زرع الحسرات في القلوب هو أسمى حالات الايمان المطمئنة، فالداعية اليوم لا يريد أن يأخذك لعالم الرحمة والمغفرة، بل يريدك رقما مؤيدا له دائما في خصوماته، فهو في حالة حرب يكر ويفر، فصلاته قصرا وصيامه مؤجل، فالانشغال في العبادة عن صراع الخصوم، سلوك علماني، وهو يحارب العلمانية، يتمسك بشؤون الدنيا قبل الدين، فكل مظهر من مظاهر التمتع بالحياة تجد الداعية فيه، يذكر بنصره على خصومه، ويسبح بآيات نصره العظيم، ويعد بمعركة جديدة ويطلب التأييد والمساعدة، والجمهور يشجع ويتسلى. بعض الدعاة عندما تشاهده أو تسمعه تجزم بأنه تخرج من أرقى معاهد السينما والتمثيل، فنغمة صوته تخرج باتقان محترف، وتعابير وجهه ترسم الدور بمهارة عالية، فمره تشاهده بدور الضعيف المنكسر، ومرة بدور الشجاع المقدام، حسب رغبات الجمهور يتلون، المهم لديه أن يحافظ على اتباعه، ويسعى بعروضه المسرحية الى زيادتهم، فالجمهور الذي ليس معه فهو ضده، فحاله يشبه حال المطرب، فإن لم تطرب له فأنت من المؤكد أنك تطرب لمنافسه، فهو في حالة ترصد ومتابعة لمنافسيه، فكلما زادوا بتصعيدهم ضد تيار أو شخص أو حكومة زاد عليهم، فان قال الخصوم الحكومة فاسدة، زاد على منافسيه وقال الحكومة كافرة، فالمهم ألا ينتصر منافسه عليه، نجم وهذا ما تتطلبه مسببات النجومية، فالتراجع عن الصدارة حتى لو كان للحق امر غير مقبول يجعله يخسر بعض جمهوره لصالح المنافس الآخر، عند هؤلاء البعض الدعوة ميدان للشهرة والنجومية لا أكثر. فسلوك النجوم دائما متشابه وإن اختلفت قليلا ازياؤهم، فلا فرق جوهري في المضمون والشكل بين بعض الدعاة ونجوم الفن، نفس المنافسة ونفس الغيرة ونفس الظهور، ونفس الإعجاب بالذات، بقي شيء واحد ليتحقق التطابق تماما، وهو أن نسمع عن اعتزال بعض يصفون أنفسهم بالدعاة كما سمعنا عن اعتزال بعض الفنانات، بسبب التشبع من النجومية والمال، واغتنام ما تبقى من العمر للاستغفار وطاعة الله، بعدما استبدت بهما الشهرة والأضواء وابعدتهم عن ذكر الله.